رجوع للمقالات
الأحد, 23 يناير 2005 02:28 ص

القدرة الخارقة‪ ..‬للفضوليين!‬


‫قام بعض طلاب وطالبات المدارس الثانوية باستفتاءات حول الب ارمج الواقعية التي عرضت او التي تعرض حاليا‪،‬‬
‫ولكني لم افكر بنتائج هذه الاستفتاءات بقدرما فكرت بلماذا ف ّكر هؤلاء الشباب بالقيام بالاستفتاء اصلا؟ وهل كانو قد‬
‫فكرو من قبل بعمل استفتاء حول الحرب على الع ارق؟ او حول احداث الشغب والسرقات التي امتهنها البعض مؤخ ار؟‬
‫او مسالة توحيد المسا ارت الثانوية او التعليم الالكتروني؟ واعتقد بأن الإجابة هي "لا" هم لم يفكروا بعمل استفتاءات‬

                                                                                               ‫لكل ما سبق!!‬
‫طبعا فتلك القضايا لا تعني لهم الكثير ولا تشغل تفكيرهم بقدرما تفعل الأخرى‪ ،‬فبذلك نصل إلى أن شبابنا يرون في‬
‫مثل هذه الب ارمج قضايا خاصة بهم‪ ،‬بغض النظر إن كانوا يريدون الدفاع عنها أو الهجوم عليها‪ ،‬بل القصد إن هناك‬
‫مشاع ار تتحرك في دواخلهم للحديث والنقاش حول هذه الب ارمج‪ ،‬فلماذا لا تتحرك مثل هذه المشاعر في قضايا أخرى‬
‫قد ن ارها نحن أكثر اهمية؟ ولماذا لا ننجح في زرعها في دواخلهم؟! مثل ذلك تصويت ما يقارب السبعة أو السبعين‬
‫مليون شخص عربي –شاب على الأرجح‪ -‬لمتسابقي برنامج ستار اكاديمي بينما توقيع ثلاثة ملايين فقط ‪-‬ليسوا‬
‫شبابا على الأرجح‪ -‬على التصويت لعدم ضرب الع ارق‪ ،‬إن لم تخني الأرقام‪ ،‬أفليست هذه الأسئلة جديرة بالبحث عن‬

                                                                               ‫اجوبة؟! "بلى" هي جديرة بذلك!!‬
‫أذكر عندما كنت أصغر من اليوم بسنين‪ ،‬كنت كلما توقفت السيارة التي تقلني قرب أخرى قلت في نفسي وأنا أرى‬
‫سائق الأخرى جالساً سارحاً "يا ترى في ماذا يفكر؟" وعندما كنت أمر أمام منزل أقول في نفسي "ترى كم شخصا‬
‫بالداخل وماذا يفعلون؟" وأحيانا أخرى كنت أتمنى لو أن لي قدرة خارقه فاستطيع معرفة ما يفكر فيه الآخرون‪ ،‬أو ماذا‬

                                                                                  ‫يفعلون خلف جد ارن بيوتهم!!‬
‫اعتقد بأن هذه النظرية تنطبق تماما على ما يعايشه اليوم شبابنا دون ان يشعروا بحقيقة هذه المعايشه‪ ،‬فالفضول‬
‫لمعرفة ما يفعله الآخرون هو أساس ما يجري‪ ،‬تماما كتلك القدرة الخارقة التي كنت اتمناها في يوم من الأيام‪ ،‬لذلك‬
‫نجد أن هذه الكامي ارت المستحدثة التي تنقل لهم جزئيات حياة كاملة لأشخاص جعلهم الإعلام فقاعات مشاهير‬
‫أشغلتهم بما فيه الكفاية‪ ،‬فأصبح الكثير من الشباب بل وحتى الكبار يستمتعون بم ارقبتهم دون أن يشعروا بذلك‪ ،‬فهناك‬
‫من يدرس وهو ي ارقب رقصهم‪ ،‬والتي تق ّطع الصلطة أمام غنائهم‪ ،‬ومن يقوم بأعماله المنزلية وهو يتابع شجارهم‪،‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فأصبحت هذه الب ارمج تعمل في بيوت بعض الناس طوال اليوم كما نش ارت الأخبار الإذاعية سابقا‪ ،‬فعندما لا‬

                  ‫يجد البعض ما يجذبه في القنوات التلفزيونية‪ ،‬يترك التلفزيون يشتغل على احد هذه الب ارمج ويرحل!‬
‫ولا ننسى أن الطبيعة التنافسية التي تغلب مثل هذه الب ارمج هي عامل أساسي لاستقطابها وجدان الشباب وعقولهم‪،‬‬
‫فروح المسابقة والمفاجأة التي تقوم عليها مثل هذه الب ارمج تحمل من الإثارة ما يكفل استقطابها للكم الهائل من الشباب‬
‫بل وحتى الكبار الذين يتابعونها‪ ،‬كما أن المشاركة في صنع الق ارر من خلال التصويت لابد من انه أحد الدوافع التي‬

   ‫تحّرك الشباب لمشاهدتها‪ ،‬خاصة وأن الشباب العربي بشكل أو بآخر لا ي ازل يطالب بالمشاركة الفاعلة في المجتمع‬
‫بغض النظر عن طبيعة هذه المشاركة‪ ،‬لذا وإن صح التعبير وقلنا بان هذه النوعية من الب ارمج الواقعية أرضية جيدة‬
‫لجذب الشباب والمشاهدين فلماذا لا نستغل هذه الأرضية لنقول ما نريد الشباب والناس أن تسمعه‪ ،‬إذن يبقى الأساس‬
‫في الموضوع هو "ما الذي نريد أن يفعله الآخرون لي اره أبناءنا ويفعلوا مثله!" طالما نحن لا نملك خيار منعهم من‬

                                                                                     ‫متابعتها ولن نملكه يوما!‬
‫هناك من يقول بأن هذه النوعية من الب ارمج لو قامت لغير الغناء والرقص لما نجحت‪ ،‬بمعنى آخر بأن النجاح‬
‫منسوب لموضوع الغناء وليس لمسألة تلفزيون الواقع‪ ،‬ولكن هذه النتيجة غير أكيدة دليل ذلك برنامج الواقع‬

                            ‫"‪ "survivor‬والذي جذب قاعدة جماهيرية واسعه برغم قيامه على غير الغناء والرقص!‬
‫فلو افترضنا أن برنامج ستار أكاديمي يمتلك امكانيات قيام أقوى من غيره من الب ارمج الواقعية التي عرضت‪ ،‬من‬
‫ناحية قيامه على صفوف د ارسية لتدريس كوكتيل من الحصص‪ ،‬ولو ابتعدنا عن مسالة (محرومية الغناء والرقص‪،‬‬
‫وعن مدى فاعلية الحصص التي تدّرس‪ ،‬وعن مؤهلات المعلمين في ذلك المعهد‪ ،‬وعن التفاهات التي تحصل في ذلك‬
‫المكان) وتكلمنا بشكل محايد‪ ،‬فإننا سنجد بأن هذا البرنامج سيحصل على درجات جيدة من ناحية است ارتيجية قيامه‬
‫واهدافه‪ ،‬طبعا ذلك بشكل حصري كونه ناجح من جهة جذبه للشباب‪ ،‬وكونه يقدم مجموعة من الأغاني والرقصات‬
‫من جهة‪ ،‬ولأنه يلغي الحدود بين الشاب والشابة ليجعلهم تحت مسمى واحد وهو "الشباب" من جهات أخرى!‬

                              ‫فمشاهدة الشباب لمثل هذه الب ارمج مع الوقت تلغي في داخلهم مفاهيم الحياء والعيب!‬
‫انا اعتقد بأن الب ارمج الواقعية قد تكون مفيدة لو أ ارد القائمون والمنادون بها باستغلالها بما يفيد‪ ،‬فكم كنت اتمنى لو‬
‫وجد حوا ار بين هؤلاء المشاركين الذين يمثلون بلدانا وثقافات مختلفة حول اختلاف نظ ارت مجتمعاتهم للاشياء‪ ،‬فكان‬
‫من الممكن ان تكون بدل هذه التجمعات العشوائية اللامتجانسة‪ ،‬تجمعات حرفية مثلا‪ ،‬فيعلم كل واحد منهم حرفته‬
‫للآخر‪ ،‬أو فنية يعلم كل فنان منهم فنه للآخر‪ ،‬او متنوعه ترينا كيف يتقاسم هؤلاء مهام المعيشة‪ ،‬او على الأقل‬

           ‫تجمعات تعّلم شبابنا كيف يمكنهم ملئ وقت ف ارغهم بشكل مثٍر‪ ،‬بدل أن يتابعوا ب ارمج واقعية غير مثرية!!‬
‫الف ارغ مشكلة كبيرة حقا‪ ،‬والخوف من أن يملأه أبناؤنا بما لا يحمد عقباه يمتد ليشمل الخوف من مثل هذه الب ارمج التي‬
‫تأخذها بعض القنوات وتدبلجها إلى العربية كما هي دون حذف احت ارما للعادات ولا إضافة م ارعاة للتقاليد‪ ..‬وذلك‬
‫يكمن في ما جرت فيه عادة العرب من إهمال ق ارءة المتن والتنقيب في الهوامش‪ ،‬وترك الجّيدات من ممارسات الغرب‬

                                                                                       ‫وتقليدهم في القبيحات‪..‬‬
‫أنا أرفض التج ّمع لمجرد التجمع‪ ،‬والواقعية لمجرد الواقعية‪ ،‬والكامي ارت التي ت ارقب غرف النوم‪ ،‬إذن الموضوع موضوع‬
‫الأسلوب وليس الفكرة‪ ،‬فلو أن معّدي هذه الب ارمج يقدرون حجم المسؤولية التي يتحملونها بتركيبهم تلك الكامي ارت اربع‬
‫وعشرين ساعة لأدركوا أهمية تغيير أسباب هذه التجمعات ومعايير اختيارهم للأشخاص والمواضيع‪ ،‬بدل أن يعرضوا‬

            ‫ب ارمج تنقل لنا كل ما يفعله شباب لا تحاول هذه الب ارمج أن تزرع في داخلهم ولا في دواخلنا غير الخواء!‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة