قام بعض طلاب وطالبات المدارس الثانوية باستفتاءات حول الب ارمج الواقعية التي عرضت او التي تعرض حاليا،
ولكني لم افكر بنتائج هذه الاستفتاءات بقدرما فكرت بلماذا ف ّكر هؤلاء الشباب بالقيام بالاستفتاء اصلا؟ وهل كانو قد
فكرو من قبل بعمل استفتاء حول الحرب على الع ارق؟ او حول احداث الشغب والسرقات التي امتهنها البعض مؤخ ار؟
او مسالة توحيد المسا ارت الثانوية او التعليم الالكتروني؟ واعتقد بأن الإجابة هي "لا" هم لم يفكروا بعمل استفتاءات
لكل ما سبق!!
طبعا فتلك القضايا لا تعني لهم الكثير ولا تشغل تفكيرهم بقدرما تفعل الأخرى ،فبذلك نصل إلى أن شبابنا يرون في
مثل هذه الب ارمج قضايا خاصة بهم ،بغض النظر إن كانوا يريدون الدفاع عنها أو الهجوم عليها ،بل القصد إن هناك
مشاع ار تتحرك في دواخلهم للحديث والنقاش حول هذه الب ارمج ،فلماذا لا تتحرك مثل هذه المشاعر في قضايا أخرى
قد ن ارها نحن أكثر اهمية؟ ولماذا لا ننجح في زرعها في دواخلهم؟! مثل ذلك تصويت ما يقارب السبعة أو السبعين
مليون شخص عربي –شاب على الأرجح -لمتسابقي برنامج ستار اكاديمي بينما توقيع ثلاثة ملايين فقط -ليسوا
شبابا على الأرجح -على التصويت لعدم ضرب الع ارق ،إن لم تخني الأرقام ،أفليست هذه الأسئلة جديرة بالبحث عن
اجوبة؟! "بلى" هي جديرة بذلك!!
أذكر عندما كنت أصغر من اليوم بسنين ،كنت كلما توقفت السيارة التي تقلني قرب أخرى قلت في نفسي وأنا أرى
سائق الأخرى جالساً سارحاً "يا ترى في ماذا يفكر؟" وعندما كنت أمر أمام منزل أقول في نفسي "ترى كم شخصا
بالداخل وماذا يفعلون؟" وأحيانا أخرى كنت أتمنى لو أن لي قدرة خارقه فاستطيع معرفة ما يفكر فيه الآخرون ،أو ماذا
يفعلون خلف جد ارن بيوتهم!!
اعتقد بأن هذه النظرية تنطبق تماما على ما يعايشه اليوم شبابنا دون ان يشعروا بحقيقة هذه المعايشه ،فالفضول
لمعرفة ما يفعله الآخرون هو أساس ما يجري ،تماما كتلك القدرة الخارقة التي كنت اتمناها في يوم من الأيام ،لذلك
نجد أن هذه الكامي ارت المستحدثة التي تنقل لهم جزئيات حياة كاملة لأشخاص جعلهم الإعلام فقاعات مشاهير
أشغلتهم بما فيه الكفاية ،فأصبح الكثير من الشباب بل وحتى الكبار يستمتعون بم ارقبتهم دون أن يشعروا بذلك ،فهناك
من يدرس وهو ي ارقب رقصهم ،والتي تق ّطع الصلطة أمام غنائهم ،ومن يقوم بأعماله المنزلية وهو يتابع شجارهم،
وهكذا ،فأصبحت هذه الب ارمج تعمل في بيوت بعض الناس طوال اليوم كما نش ارت الأخبار الإذاعية سابقا ،فعندما لا
يجد البعض ما يجذبه في القنوات التلفزيونية ،يترك التلفزيون يشتغل على احد هذه الب ارمج ويرحل!
ولا ننسى أن الطبيعة التنافسية التي تغلب مثل هذه الب ارمج هي عامل أساسي لاستقطابها وجدان الشباب وعقولهم،
فروح المسابقة والمفاجأة التي تقوم عليها مثل هذه الب ارمج تحمل من الإثارة ما يكفل استقطابها للكم الهائل من الشباب
بل وحتى الكبار الذين يتابعونها ،كما أن المشاركة في صنع الق ارر من خلال التصويت لابد من انه أحد الدوافع التي
تحّرك الشباب لمشاهدتها ،خاصة وأن الشباب العربي بشكل أو بآخر لا ي ازل يطالب بالمشاركة الفاعلة في المجتمع
بغض النظر عن طبيعة هذه المشاركة ،لذا وإن صح التعبير وقلنا بان هذه النوعية من الب ارمج الواقعية أرضية جيدة
لجذب الشباب والمشاهدين فلماذا لا نستغل هذه الأرضية لنقول ما نريد الشباب والناس أن تسمعه ،إذن يبقى الأساس
في الموضوع هو "ما الذي نريد أن يفعله الآخرون لي اره أبناءنا ويفعلوا مثله!" طالما نحن لا نملك خيار منعهم من
متابعتها ولن نملكه يوما!
هناك من يقول بأن هذه النوعية من الب ارمج لو قامت لغير الغناء والرقص لما نجحت ،بمعنى آخر بأن النجاح
منسوب لموضوع الغناء وليس لمسألة تلفزيون الواقع ،ولكن هذه النتيجة غير أكيدة دليل ذلك برنامج الواقع
" "survivorوالذي جذب قاعدة جماهيرية واسعه برغم قيامه على غير الغناء والرقص!
فلو افترضنا أن برنامج ستار أكاديمي يمتلك امكانيات قيام أقوى من غيره من الب ارمج الواقعية التي عرضت ،من
ناحية قيامه على صفوف د ارسية لتدريس كوكتيل من الحصص ،ولو ابتعدنا عن مسالة (محرومية الغناء والرقص،
وعن مدى فاعلية الحصص التي تدّرس ،وعن مؤهلات المعلمين في ذلك المعهد ،وعن التفاهات التي تحصل في ذلك
المكان) وتكلمنا بشكل محايد ،فإننا سنجد بأن هذا البرنامج سيحصل على درجات جيدة من ناحية است ارتيجية قيامه
واهدافه ،طبعا ذلك بشكل حصري كونه ناجح من جهة جذبه للشباب ،وكونه يقدم مجموعة من الأغاني والرقصات
من جهة ،ولأنه يلغي الحدود بين الشاب والشابة ليجعلهم تحت مسمى واحد وهو "الشباب" من جهات أخرى!
فمشاهدة الشباب لمثل هذه الب ارمج مع الوقت تلغي في داخلهم مفاهيم الحياء والعيب!
انا اعتقد بأن الب ارمج الواقعية قد تكون مفيدة لو أ ارد القائمون والمنادون بها باستغلالها بما يفيد ،فكم كنت اتمنى لو
وجد حوا ار بين هؤلاء المشاركين الذين يمثلون بلدانا وثقافات مختلفة حول اختلاف نظ ارت مجتمعاتهم للاشياء ،فكان
من الممكن ان تكون بدل هذه التجمعات العشوائية اللامتجانسة ،تجمعات حرفية مثلا ،فيعلم كل واحد منهم حرفته
للآخر ،أو فنية يعلم كل فنان منهم فنه للآخر ،او متنوعه ترينا كيف يتقاسم هؤلاء مهام المعيشة ،او على الأقل
تجمعات تعّلم شبابنا كيف يمكنهم ملئ وقت ف ارغهم بشكل مثٍر ،بدل أن يتابعوا ب ارمج واقعية غير مثرية!!
الف ارغ مشكلة كبيرة حقا ،والخوف من أن يملأه أبناؤنا بما لا يحمد عقباه يمتد ليشمل الخوف من مثل هذه الب ارمج التي
تأخذها بعض القنوات وتدبلجها إلى العربية كما هي دون حذف احت ارما للعادات ولا إضافة م ارعاة للتقاليد ..وذلك
يكمن في ما جرت فيه عادة العرب من إهمال ق ارءة المتن والتنقيب في الهوامش ،وترك الجّيدات من ممارسات الغرب
وتقليدهم في القبيحات..
أنا أرفض التج ّمع لمجرد التجمع ،والواقعية لمجرد الواقعية ،والكامي ارت التي ت ارقب غرف النوم ،إذن الموضوع موضوع
الأسلوب وليس الفكرة ،فلو أن معّدي هذه الب ارمج يقدرون حجم المسؤولية التي يتحملونها بتركيبهم تلك الكامي ارت اربع
وعشرين ساعة لأدركوا أهمية تغيير أسباب هذه التجمعات ومعايير اختيارهم للأشخاص والمواضيع ،بدل أن يعرضوا
ب ارمج تنقل لنا كل ما يفعله شباب لا تحاول هذه الب ارمج أن تزرع في داخلهم ولا في دواخلنا غير الخواء!