لا أعرف تماما مدى الاستنكار الذي قد يجده البعض في حديثي عن الموضوع الذي سأتكلم عنه ،ولكني
وجدت نفسي ارغبة في فهم معطياته ،وقلت في نفسي لعل أحدهم يقنعني بما أ اره أو ي اره ..وللجميع مني
احت ارم أريه في كل الأحوال..
شهدنا جميعا عبر شاشاتنا الفضائيه الواقعه المحزنه التي حّلت بجزر سومطره والبلدان القريبة منها ،و أرينا
تداعيات تلك الواقعه على أهلها والبلدان المتضرره والعالم ،فالحداد الذي عاشته تلك الدول والحزن والألم
والفقر والمرض الذي عانته من ج ارء الواقعه كان فعلا عاديا تجاه ذاك المصاب ،ومحاولات الكثير من الدول
لتقديم الإغاثة والمال والمعونات والأدوية كانت ايضاً ردود فعل طبيعية تجاه الواجب الانساني الذي لا يجب
ان يختلف عليه اثنان في العالم ،ولكن من غير الطبيعي ومن غير الاعتيادي أن نجد من الناس من يجد في
هذه الواقعه ما لا أجد له مكانا في التصنيف ..ولكم بعض الأمثلة..
تبادل البعض في تلك الأيام من المسجات الهاتفية والرسائل الالكترونية من الآيات الكريمة والأحاديث ما
يذّكر بعذاب الله وآياته في الأرض على الذين لا يتقونه حق تقاته ،بل وكانت هذه المسجات والإيميلات
تحمل في طياتها أيضا دعوة لنشرها لنيل الثواب ،كما وجد آخرين من هذه الواقعه خطبا خصبة تذكر بعذاب
الله وح اررة ناره على العاصين ،وطبعا مفاد ذلك أنه علينا أن نتقي الله حتى لا ينزل علينا غضبه كما أنزله
على هؤلاء الفق ارء!
وهناك من ازد في البحث و ارء أسباب هذا الزل ازل الذي لم تتكهن به محطات الأرصاد الجوية ،ووجد لهذا
الزل ازل سببا ليس بعلمي ولكنه عقائدي ،حيث قال البعض بأن بعض القبائل الكافرة التي لا ت ازل تعبد
الأصنام تقوم برمي أصنامها الحجرية القديمه او المتحطمه في تلك المياه ،وذلك ما سبب التسونامي في تلك
المياه التي غ ازها الشرك فأغرق أهلها!
هذا مع التفسير الأكثر طبيعية والذي اعتدنا سماعه مع كل حادثة كونية من أن هؤلاء الناس أغرقوا أنفسهم
بالخمور والم ارقص واللهو والقمار فحل عليهم غضب الله وأغرقهم ،ولكن السؤال الذي أريد أن أسأله لمن
يعتقد هذا فعلا ،إن كان هذا الزل ازل أو غيره فعلا غضب الله على هؤلاء الناس ،فلماذا تقوم الدول المسلمة
بتقديم المساعدات والإغاثات ولا تترك هؤلاء الناس لملاقاة مصيرهم الذي اختاره الله لهم؟ غير ان كل بقع
الارض لا تخلو من الفساد والخمر والم ارقص فهل يعني ذلك أن الله يختار أن يصيب غضبه قوما بينما
تستمتع أقوام أخرى قد تكون أكثر فسادا بأنعم الله من التقدم والحضارة والرفاهيه؟ طبعا هناك من يقول بأن الله
يري البعض عذابه حتى يتقي البعض الآخر ذلك العذاب ،وهذا كلام نعرفه جميعا ولكني لا اجد هذا الكلام
مناسبا في مثل هذه الوقائع!
أفهم أننا نحتاج إلى التركيز أكثر في توجهنا إلى الله عندما نرى مثل هذه المصائب على الأرض ،ولكني لا
أفهم لم علينا أن نفسر تلك المصائب كعقوبات على أقوام إن كان فيهم الفاسدين فبالتأكيد كان منهم المتقين،
ولا أحد يستطيع الجزم بما في عقول الناس حتى يجزم بما في قلوبهم ،والإيمان لا يكمن في غير القلوب!
أنا لا أستبعد حصول آيات الله على الأرض ،وأقول بأن الله قادر على إحلال غضبه على من يشاء وقتما
يشاء سواء أح ّل غضبه بزل ازل أو بمرض أو بأي شي آخر ،ولكن هذه الأمور غيبيات لا يجب أن نتداولها
فيما بيننا بالنكات والشماتة كما ولو اننا منّزهون أو أننا بإسلامنا أصبحنا من التقاة الذي لا يصيبهم الغضب،
بينما ينزل غضب الله على الطوائف الأخرى ،إذ لا يعقل أن نعيد كل صغيرة وكبيرة تحصل في محيطنا إلى
موضوع الغضب الإلهي ونتخذ مواقفا قاسيه تجاه الآخرين في لحظات يفترض أن نتخذ فيها مواقفا انسانيه،
فهناك وقع زل ازل بسبب شخص احرق مصحفا فحل غضب الله واختفت مدينة بكاملها -ولا اعرف ما ذنب
المدينة ان كان احد اف اردها فاسدا -وفي مكان آخر سقطت طائرة ومات ركابها وطاقمها لان بعض الناس
عليها كانت تشرب الخمر ،وهناك تحصل هزة أرضية تدفن قرية كاملة لأن بعض الناس تجمعوا ليلة نهاية
الأسبوع يرقصون ويغنون ،فيا ترى هل هذه التفسي ارت تحمل من النزعة الانسانية ما يكفي حتى تنطلق من
أفواهنا أو يجدها بعض اولي الأمر دروسا شافيه لأسقام النفوس؟
لا أدري كيف يرى البعض مثل هذه الحوادث دروسا خصبة لتعليم الناس الخوف من الله ،أنا أخاف الله نعم،
ولكني أفضل أن أتعلم كيفية أن أحبه ،لأطيعه احتاج أن احبه اكثر من ان احتاج ان اخافه ،فالى متى
سيظل البعض يهددون عقولنا من الله وناره وعذابه وانتقامه بدل ان يملئوا قلبونا بنوره وعفوه وجماله ،وبالنسبة
لي بغض النظر عن ديانات الذين انتهوا تحت هذا الزل ازل أو غيره ،فقبل أن أعرف عما يعتقدوه أو يفعلوه فأنا
أ ارهم أناسا أولا ،أناس قبل أن يكونو أي شي آخر ،أو يعتقدوا أي شي آخر ،لذلك أفضل أن أستغل هذه
الواقعه كدرس لا لتخويف الناس من غضب الله على الأرض ،بل درسا لنيل ثواب الله في الجنه ،وذلك
بتلاحمنا وتعاطفنا مع الغير كوننا جميعا إخوة في دستور الانسانية ،درسا يعلم العالم بأننا في النهاية على
كل اختلافاتنا الدينية والفكرية والاجتماعية فإننا اكيدا في مثل هذه اللحظات ننقسم لآباء وأمهات وابناء ندرك
ما يدركه الذين فقدوا ذويهم وتشردوا في الشوارع ،في هذه اللحظات نشعر جميعا بقيمة المأوى والصحة
والطعام والملبس الذي فقده هؤلاء ،فنسارع لمد يد المساعده بما نستطيع لنخفف عن أناس يمرون اليوم على
بلاء قد يمر على أي أحد منا غدا ..والحمد لله بأننا لم نكن المبتلين..