رجوع للمقالات
الأربعاء, 09 مارس 2005 02:26 ص

الإنسانية أولاً‪..‬‬


‫لا أعرف تماما مدى الاستنكار الذي قد يجده البعض في حديثي عن الموضوع الذي سأتكلم عنه‪ ،‬ولكني‬
‫وجدت نفسي ارغبة في فهم معطياته‪ ،‬وقلت في نفسي لعل أحدهم يقنعني بما أ اره أو ي اره‪ ..‬وللجميع مني‬

                                                                          ‫احت ارم أريه في كل الأحوال‪..‬‬
‫شهدنا جميعا عبر شاشاتنا الفضائيه الواقعه المحزنه التي حّلت بجزر سومطره والبلدان القريبة منها‪ ،‬و أرينا‬
‫تداعيات تلك الواقعه على أهلها والبلدان المتضرره والعالم‪ ،‬فالحداد الذي عاشته تلك الدول والحزن والألم‬
‫والفقر والمرض الذي عانته من ج ارء الواقعه كان فعلا عاديا تجاه ذاك المصاب‪ ،‬ومحاولات الكثير من الدول‬
‫لتقديم الإغاثة والمال والمعونات والأدوية كانت ايضاً ردود فعل طبيعية تجاه الواجب الانساني الذي لا يجب‬
‫ان يختلف عليه اثنان في العالم‪ ،‬ولكن من غير الطبيعي ومن غير الاعتيادي أن نجد من الناس من يجد في‬

                                      ‫هذه الواقعه ما لا أجد له مكانا في التصنيف‪ ..‬ولكم بعض الأمثلة‪..‬‬
‫تبادل البعض في تلك الأيام من المسجات الهاتفية والرسائل الالكترونية من الآيات الكريمة والأحاديث ما‬
‫يذّكر بعذاب الله وآياته في الأرض على الذين لا يتقونه حق تقاته‪ ،‬بل وكانت هذه المسجات والإيميلات‬
‫تحمل في طياتها أيضا دعوة لنشرها لنيل الثواب‪ ،‬كما وجد آخرين من هذه الواقعه خطبا خصبة تذكر بعذاب‬
‫الله وح اررة ناره على العاصين‪ ،‬وطبعا مفاد ذلك أنه علينا أن نتقي الله حتى لا ينزل علينا غضبه كما أنزله‬

                                                                                   ‫على هؤلاء الفق ارء!‬
‫وهناك من ازد في البحث و ارء أسباب هذا الزل ازل الذي لم تتكهن به محطات الأرصاد الجوية‪ ،‬ووجد لهذا‬
‫الزل ازل سببا ليس بعلمي ولكنه عقائدي‪ ،‬حيث قال البعض بأن بعض القبائل الكافرة التي لا ت ازل تعبد‬
‫الأصنام تقوم برمي أصنامها الحجرية القديمه او المتحطمه في تلك المياه‪ ،‬وذلك ما سبب التسونامي في تلك‬

                                                                  ‫المياه التي غ ازها الشرك فأغرق أهلها!‬
‫هذا مع التفسير الأكثر طبيعية والذي اعتدنا سماعه مع كل حادثة كونية من أن هؤلاء الناس أغرقوا أنفسهم‬
‫بالخمور والم ارقص واللهو والقمار فحل عليهم غضب الله وأغرقهم‪ ،‬ولكن السؤال الذي أريد أن أسأله لمن‬
‫يعتقد هذا فعلا‪ ،‬إن كان هذا الزل ازل أو غيره فعلا غضب الله على هؤلاء الناس‪ ،‬فلماذا تقوم الدول المسلمة‬
‫بتقديم المساعدات والإغاثات ولا تترك هؤلاء الناس لملاقاة مصيرهم الذي اختاره الله لهم؟ غير ان كل بقع‬
‫الارض لا تخلو من الفساد والخمر والم ارقص فهل يعني ذلك أن الله يختار أن يصيب غضبه قوما بينما‬
‫تستمتع أقوام أخرى قد تكون أكثر فسادا بأنعم الله من التقدم والحضارة والرفاهيه؟ طبعا هناك من يقول بأن الله‬

‫‪‫يري البعض عذابه حتى يتقي البعض الآخر ذلك العذاب‪ ،‬وهذا كلام نعرفه جميعا ولكني لا اجد هذا الكلام‬
                                                                           ‫مناسبا في مثل هذه الوقائع!‬

‫أفهم أننا نحتاج إلى التركيز أكثر في توجهنا إلى الله عندما نرى مثل هذه المصائب على الأرض‪ ،‬ولكني لا‬
‫أفهم لم علينا أن نفسر تلك المصائب كعقوبات على أقوام إن كان فيهم الفاسدين فبالتأكيد كان منهم المتقين‪،‬‬

    ‫ولا أحد يستطيع الجزم بما في عقول الناس حتى يجزم بما في قلوبهم‪ ،‬والإيمان لا يكمن في غير القلوب!‬
‫أنا لا أستبعد حصول آيات الله على الأرض‪ ،‬وأقول بأن الله قادر على إحلال غضبه على من يشاء وقتما‬
‫يشاء سواء أح ّل غضبه بزل ازل أو بمرض أو بأي شي آخر‪ ،‬ولكن هذه الأمور غيبيات لا يجب أن نتداولها‬
‫فيما بيننا بالنكات والشماتة كما ولو اننا منّزهون أو أننا بإسلامنا أصبحنا من التقاة الذي لا يصيبهم الغضب‪،‬‬
‫بينما ينزل غضب الله على الطوائف الأخرى‪ ،‬إذ لا يعقل أن نعيد كل صغيرة وكبيرة تحصل في محيطنا إلى‬
‫موضوع الغضب الإلهي ونتخذ مواقفا قاسيه تجاه الآخرين في لحظات يفترض أن نتخذ فيها مواقفا انسانيه‪،‬‬
‫فهناك وقع زل ازل بسبب شخص احرق مصحفا فحل غضب الله واختفت مدينة بكاملها ‪-‬ولا اعرف ما ذنب‬
‫المدينة ان كان احد اف اردها فاسدا‪ -‬وفي مكان آخر سقطت طائرة ومات ركابها وطاقمها لان بعض الناس‬
‫عليها كانت تشرب الخمر‪ ،‬وهناك تحصل هزة أرضية تدفن قرية كاملة لأن بعض الناس تجمعوا ليلة نهاية‬
‫الأسبوع يرقصون ويغنون‪ ،‬فيا ترى هل هذه التفسي ارت تحمل من النزعة الانسانية ما يكفي حتى تنطلق من‬

                                         ‫أفواهنا أو يجدها بعض اولي الأمر دروسا شافيه لأسقام النفوس؟‬
‫لا أدري كيف يرى البعض مثل هذه الحوادث دروسا خصبة لتعليم الناس الخوف من الله‪ ،‬أنا أخاف الله نعم‪،‬‬
‫ولكني أفضل أن أتعلم كيفية أن أحبه‪ ،‬لأطيعه احتاج أن احبه اكثر من ان احتاج ان اخافه‪ ،‬فالى متى‬
‫سيظل البعض يهددون عقولنا من الله وناره وعذابه وانتقامه بدل ان يملئوا قلبونا بنوره وعفوه وجماله‪ ،‬وبالنسبة‬
‫لي بغض النظر عن ديانات الذين انتهوا تحت هذا الزل ازل أو غيره‪ ،‬فقبل أن أعرف عما يعتقدوه أو يفعلوه فأنا‬
‫أ ارهم أناسا أولا‪ ،‬أناس قبل أن يكونو أي شي آخر‪ ،‬أو يعتقدوا أي شي آخر‪ ،‬لذلك أفضل أن أستغل هذه‬
‫الواقعه كدرس لا لتخويف الناس من غضب الله على الأرض‪ ،‬بل درسا لنيل ثواب الله في الجنه‪ ،‬وذلك‬
‫بتلاحمنا وتعاطفنا مع الغير كوننا جميعا إخوة في دستور الانسانية‪ ،‬درسا يعلم العالم بأننا في النهاية على‬
‫كل اختلافاتنا الدينية والفكرية والاجتماعية فإننا اكيدا في مثل هذه اللحظات ننقسم لآباء وأمهات وابناء ندرك‬
‫ما يدركه الذين فقدوا ذويهم وتشردوا في الشوارع‪ ،‬في هذه اللحظات نشعر جميعا بقيمة المأوى والصحة‬
‫والطعام والملبس الذي فقده هؤلاء‪ ،‬فنسارع لمد يد المساعده بما نستطيع لنخفف عن أناس يمرون اليوم على‬

                                    ‫بلاء قد يمر على أي أحد منا غدا‪ ..‬والحمد لله بأننا لم نكن المبتلين‪..‬‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة