صادف الاسبوع الفائت بتاريخ الخامس والعشرين من شهر نوفمبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد الم أرة،
والسؤال الذي ظل يتردد كما تردد في الأعوام السابقة من مثل هذا التاريخ ،هو أين وصلنا في مناهضة هذا
العنف؟ بل بالأصح أين هم رجالنا قبل نسائنا من هذه المناهضة؟! وقد شهدنا في هذا العام من النماذج
النسوية ما كان كفيلا للتأكيد بأننا لا ن ازل بعيدين بما فيه الكفاية من تحقيق ما نتمناه انسانيا بحق الم أرة..
بدليل ما شهدناه على الساحة الاعلامية من العنف الذي تعرضت اليه المذيعة السعودية ارنيا الباز وما أودى
بحياة الفنانة التونسية ذكرى..
تلك مجرد قضايا وصلت لاسماعنا لصدفة كون هاتين السيدتين من الاعلاميات العرب ،ولكننا لو ذهبنا الى
بيوت الناس البسطاء منهم أو ذوي الشأن ،لوجدنا من النسب ما يؤلم نفس أمتنا الاسلامية والعربية التي كان
من المفترض أن تكون قدوة لباقي الأمم في حفظ حقوق الم أرة وحسن معاملتها طبقا لتوصيات ديننا الحنيف،
ولايماننا بأننا بديننا كان من المفترض أن نكون أصحى الأمم وأقومها نهجا وفطرة ..ولكن ما يجري عندنا
للأسف مناقض في كثير من الأحيان لما ننسبه لأنفسنا ..وإن كنت أؤمن بأن العلة فينا وليست في الدين..
أما الم أرة وبالرغم من نضج وعيها بحقوقها ،ألا أنها لا ت ازل غير بعيدة عن مكانها السابق بحكم الأع ارف
والتقاليد التي تقيدها من جهة لأخرى ،وإن كانت نسبة قليلة منهن بدأن يطالبن بحقوقهن ،ألا أن النسبة الأكبر
من اللواتي يتعرضن للعنف يكتمن ما يتعرضن له ويرفضن المطالبة بحقوقهن تجاه انفسهن ،ولا ت ازل ذات
الإجابات التي كنا نسمعها في السابق هي ذاتها التي نسمعها اليوم حيث تختلق الزوجة لزوجها من الأعذار
ما يكفي لتبرئته من تهم ضربها أمام نفسها وعائلتها وأصدقائها ،هذا إذا عرف أحدهم بأمرها ،أما الباقيات
فيظللن منفوخات الوجوه متورمات العيون ومرضوضات الأجساد وتفسيرهن لأحوالهن لا يتعدى كون الواحدة
منهن سقطت من على السلم أو اصطدمت بإحدى حوائط المنزل!!
والأمر من ذلك كله ،بأننا حتى اليوم ،وبالرغم من كثرة المتحدثين الرجال ضد ما يقع على الم أرة من الظلم،
ورغم الشعا ارت التي يطلقها الجميع برفضهن للعنف ضد الم أرة ،ألا أن كثي اًر من هؤلاء يؤمنون بطريقة أو
بأخرى باستحقاقية الم أرة لذلك الضرب ،أو على الأقل يجدون من الأعذار للرجل ما يكفيه ليفكر بقتلها وليس
بضربها فقط ،إذ نجد أبسط الجمل التي تنطلق من ألسنة رجالنا "والله شوفو شنو اهي سوت علشان ايطقها
زوجها جذي!" فأصبح الأمر هذا كالمسلمات التي فتحت مجالا اوسع للرجل للتطاول الذي أقنعه المجتمع
بأنه احد حقوقه الزوجية! فلماذا يعتقد البعض بمجرد أن يرى رجلا شوه زوجته ضربا بأن لابد من وجود سبب
منطقي لهذا الضرب تكون فيه الزوجة المتهمة الأولى؟ وطبعا يكون الاتهام المطلق والذي يغفر الحكم
المجتمعي للرجل على ضوءه كونه مثلا شك بتصرفاتها! فياله من رجل مسكين هذا الزوج الذي اضطر
لتشويه زوجته والدخول الى السجن بسبب تصرفاتها اللامسئولة ،وبعدها تأتي من الاتهامات ما بين كونها
رفعت صوتها عليه ،أو خالفت أوامره في شي ما ،أو حتى "نرفزته" ،وعلى ضوء ذلك يعذر الزوج على ما
فعل لأنه كان "مستحمقا" بينما ربما يلقى اللوم من القليلين الذي قد يعاتبونه قائلين "إي ما عليه بس جان عاد
ما طقيتها على وجهها" ..بمعنى لو كسرت لها يدا أو ساقا ربما كان الأمر أكثر رحمة! فكم هي حمقاء
مجتماعتنا!!
كثيرة هي التناقضات التي خلقها المجتمع ،بل وربما خلقتها عاداتنا وتقاليدنا التي تعطي الرجل الهيبه والمكانة
لدرجة العبودية ،بينما تفرض على الزوجة الانصياع والذل باسم الصبر والاحت ارم ،وتختلط الأمور لتصل
ذروتها من اللامنطقية عندما يتم ارجاع تلك التناقضات الى الدين او ما قد يسمى بالفرق بين سلوكيات
الرجل المباحة وتصرفات الزوجة المحرمة! فهو من حقه أن يعجب ويحب ويتزوج أخرى بل أخريات ،بينما لو
رفعت هي عينها بعين آخر استحقت الضرب والتشويه! لا أقول ذلك لأطالب للم أرة بحق جائر بالنظر لغير
زوجها ،بل لأضع تصرفات الزوج في مي ازن غير الذي خلقه له مجتمعنا باسم الرجولة ..واستند به باسم
الدين ..فكفانا تشويها للدين ..فلماذا يتسارع الرجال لعمل ما يحسبونه حقا لهم بالضرورة ويتركون ما هو
فرض عليهم على الدوام ..ومن ذلك قوله تعالى "واضربوهن" التي يأخذها الكثير من الرجال كالحجة على
الم أرة وقبلت هي بها كحكم الدين ..وأنا لحكمه أن يكون كذلك! فلو أعطى الدين الحق للرجل لضرب الم أرة
وردعها كيف يسحب منها هذا الحق لتردعه!! بل ولا يعطيها الحق ولا القوة على ذلك ،فكيف يكون هذا الدين
عادلا وآم ار بالقصاص وفي ذات الحين هو من يعطي الرجل حق ضرب الم أرة والتقليل من آدميتها
وانسانيتها ،ورسولنا الأعظم نهى أن يقبح الرجل زوجته بالقول فكيف يقول بتقليله لك ارمتها وآدميتها ،ولا
أحسب أن هناك اختلافا على كون الضرب اهانة انسانية مهما كبرت او صغرت..
يلجأ الانسان للضرب عندما يعجز العقل عن المخاطبة ،فنحن نلجأ لضرب الحيوان على أداء سلوك معين
لأن الحيوان لا يستوعب ما نريد ،والدين ايضا نهانا عن فعل ذلك لغير الضرورة القصوى ،فكيف يقوم ذات
الدين نفسه بتحليل ضرب الم أرة وهي ذات عقل ،لذا فأنا اعتقد بأن من يقول بأن الآية الكريمة قالت بضرب
الم أرة عندما تشاء النشوز يخطئ التفسير ،فالأجدر بأن يكون الضرب الذي قصدته الآية كان السفر وترك
المنزل من باب أولى بدليل أن الآية التي جاءت تسبقها تقول "واهجروهن في المضاجع" وذلك حسب ما ذكره
الشيخ خالد الجندي عندما ُسئل عن ذلك عندما وقعت حادثة المذيعة السعودية ارنيا الباز ،كما حرمه الشيخ
ابن حجر العصقلاني لذات المنطقية ،وأنا شخصيا لا أجد أي تفسير من قريب أو من بعيد يدعو للضرب
غير المبرح أو الضرب بعود السواك أو الوكز بمعنى "المداقلة" كما يفسر غالبية الشيخ مفهوم الآية ،لأن هذا
النوع من الضرب لا يسبب أث ار ماديا ولا معنويا ،إذن فما الأصل من وجوده؟ كما أن إجازة الضرب التي
جاءت في موضع الآية مع اختلاف التفاسير كانت مجازة في حالة إن كانت الم أرة مخطئة لا غير وبالاتفاق،
وجاءت تحديدا في حالة النشوز ،وهي وضعية حرجة يصعب عندها ايجاد الحلول الشافية ،فكيف بحل
كالضرب! فهل يعقل أن التي اتخذت ق ارر الانفصال عن زوجها أو حتى فكرت به ستت ارجع بسبب ضرب
عود السواك؟! فقد سمعنا عن زوجة كادت تهجر زوجها ولكنها ت ارجعت في آخر لحظة عندما أهداها هدية
قريبة لنفسها ،أو خاطبها بحديث تحب أن تسمعه ،ولكنننا ما سمعنا عن واحدة ت ارجعت عن ق ارر الهجر
وعادت لزوجها عندما ضربها ضربا غير مبرح!! والا فليعمل القائلين بهذا الضرب احصاءات ويأتونا بالدليل
الذي يثبت تفسيرهم للآية الكريمة ،ولا نريد دليلا او قولا من التاريخ بل نريد احصاءات وحالات من الحياة
التي نعيشها اليوم ..وإن وجدوا "افت ارضا" مت ارجعات عن النشوز بسبب الضرب غير المبرح فليتأكدوا من مدى
التواد والت ارحم الذي خلفه هذا الاسلوب في الارجاع ..والله اعلم..
كذلك نجد من الرجال اكثر مما نجد من النساء من المطالبين او الداعين لأن تطالب الم أرة بحقها الشرعي في
المحاكم من اول صفعة تتلاقاها من زوجها حتى ندرء هذا السلوك ونمنع تطاوله ،بل يلوم الكثيرون الم أرة
الصامته ويحملونها مسؤولية العنف الذي تتعرض له بسبب سكوتها عن حقها ،وهناك من يقولون باستحقاقها
له طالما هي صامتة! ولكن هل يحسب هؤلاء ان الامر بهذه السهولة التي ينطقون بها؟!
فلو توجهت الزوجة الى المحاكم من اول ضربة لاضطررنا لزيادة المحاكم في انحاء بلادنا ،ولزدنا
احصائيات الطلاق ولشتتنا المزيد من الاطفال ،لان الرجال العرب العصبيون الذين يخرجون من طورهم
عندنا كثيرون ،منهم من يخرج منه إذا تأخر عليه الغداء وآخرون اذا ضايقهم بكاء الطفل بالليل ،ومنهم من
إذا لم يعجبه بياض ثوبه بعد الغسيل ،والبعض إذا وجد جواربه مثقوبه! هذا غير المحترمين الذي ينزلون
غضبهم من مد ارئهم أو موظفيهم أو ديونهم او حتى خسارتهم في لعبة ما على تلك المسكينة التي تنتظر
بالبيت ،هذه هي عقلية الكثير من رجالنا حتى اليوم ،فما عسى الم أرة فاعلة؟ فهي في النهاية انسان قد يخطئ
الطبخ او الغسل او التربية في باقي عمرها الذي ستعيشه مع زوجها ،فالم أرة لو حصلت على صفعة من
زوجها لخجلت من اخبار اهلها حتى لا يتكلموا على زوجها بالسوء وكي لا يكرهوه أو يقللوا من احت ارمه،
لانها في النهاية تريده ولانه يظل والد ابنائها فتفضل الصبر عليه لعلها تصلحه ،فكيف اذن تريدون ان تذهب
به الى المحاكم بهذه البساطة لتحصل على حقها؟ هي فعلا تريد حقوقها الشرعية لكنها تريدها منه ،من
زوجها ،من داخل بيتها ،ولا تريد اش ارك احد في خصوصيات حياتها ،فهل تفسرون صبر الم أرة وحبها لزوجها
نقصا في ذاتها وذكائها؟!
انا اعتقد بان الوقت والعصر اليوم يفرض علينا الانتقال من هم توعية الم أرة بحقوقها الشرعية والتركيز على
إرشاد الرجل لكيفية أداء واجباته! ليست هي من علينا التفكير في كيفية مساندتها لتحصل على حقوقها ،بل
هو من يجب علينا تذكيره بما هي واجباته الزوجية ..فاللجوء الى القانون ليس بهذه السهولة ،ولا يحل
المشكلة في كثير من الأوقات! هذا ان كان هذا الآخر منصفا!! فمعظم أشكال العنف الحاصلة في
مجتمعاتنا لا تحصل بسبب قلة وعي الم أرة بحقوقها بل تحصل لسوء فهم الرجل لحقوقه ،أو لعدم رغبته في
فهمها طالما هو المستفيد! لذلك فأنا كثي ار ما أردد بأننا بحاجة إلى الج أرة التي تجعلنا نعدل الموازين الخاطئة
التي تربينا عليها ،نحتاج من الرجال من يتنازل عن عرش الملك الذي نصبه المجتمع فيه لتكون له كل
الرفاهية والهيبة والمتعة على حساب حقوق زوجته فيقف ليقول بصدق "هذا خطأ" ويطالب بحياة إنسانية
عادلة للاثنين..
وأخي اًر أود أن أنوه ..بأني لست مع أن تسكت الزوجة وتستلم الصفعات ،ولكني ضد هدم البيوت بسبب
لحظات الغضب ،إذ يحصل أحيانا أن يغضب الرجل ويرفع يده ،ولكنه سرعان ما يشعر بالذنب ليعود
ويعتذر ،وهذه الامور واردة ليس فقط في العلاقات الزوجية بل على صعيد اي علاقة ،لكن الخطأ في أن
تسكت الزوجة على ذلك إذا اصبح سلوكا طبيعيا في الرجل ،كأن يضربها على ابسط الاسباب وبشكل متكرر
وهو في كامل ات ازنه تجاه الموقف ،فذلك حتما يستدعي اج ار ارت جادة وحاسمة ،فعلى الم أرة ان تؤمن بانها
ذات ،فعليها أن لا تظلم نفسها بافساح المجال لأي كان بأن يتعدى على ذاتها ،والضرب من الإهانات
العظمى للذات الإنسانية ..فلا ترضين أخواتي بحياة الذل باسم الحب ،فحتى الموت عزي ازت أرحم من الحياة
ذليلات ..أما "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب" فهي مقولة كاذبة ،لأن الضرب قد يطيح بالأسنان! ومن ثم..
لا حبيب ..ولا زبيب..