رجوع للمقالات
الأربعاء, 09 مارس 2005 02:21 ص

الضرب ُيطيح بالأسنان!!‬


‫صادف الاسبوع الفائت بتاريخ الخامس والعشرين من شهر نوفمبر اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد الم أرة‪،‬‬
‫والسؤال الذي ظل يتردد كما تردد في الأعوام السابقة من مثل هذا التاريخ‪ ،‬هو أين وصلنا في مناهضة هذا‬
‫العنف؟ بل بالأصح أين هم رجالنا قبل نسائنا من هذه المناهضة؟! وقد شهدنا في هذا العام من النماذج‬
‫النسوية ما كان كفيلا للتأكيد بأننا لا ن ازل بعيدين بما فيه الكفاية من تحقيق ما نتمناه انسانيا بحق الم أرة‪..‬‬
‫بدليل ما شهدناه على الساحة الاعلامية من العنف الذي تعرضت اليه المذيعة السعودية ارنيا الباز وما أودى‬

                                                                          ‫بحياة الفنانة التونسية ذكرى‪..‬‬
‫تلك مجرد قضايا وصلت لاسماعنا لصدفة كون هاتين السيدتين من الاعلاميات العرب‪ ،‬ولكننا لو ذهبنا الى‬
‫بيوت الناس البسطاء منهم أو ذوي الشأن‪ ،‬لوجدنا من النسب ما يؤلم نفس أمتنا الاسلامية والعربية التي كان‬
‫من المفترض أن تكون قدوة لباقي الأمم في حفظ حقوق الم أرة وحسن معاملتها طبقا لتوصيات ديننا الحنيف‪،‬‬
‫ولايماننا بأننا بديننا كان من المفترض أن نكون أصحى الأمم وأقومها نهجا وفطرة‪ ..‬ولكن ما يجري عندنا‬

  ‫للأسف مناقض في كثير من الأحيان لما ننسبه لأنفسنا‪ ..‬وإن كنت أؤمن بأن العلة فينا وليست في الدين‪..‬‬
‫أما الم أرة وبالرغم من نضج وعيها بحقوقها‪ ،‬ألا أنها لا ت ازل غير بعيدة عن مكانها السابق بحكم الأع ارف‬
‫والتقاليد التي تقيدها من جهة لأخرى‪ ،‬وإن كانت نسبة قليلة منهن بدأن يطالبن بحقوقهن‪ ،‬ألا أن النسبة الأكبر‬
‫من اللواتي يتعرضن للعنف يكتمن ما يتعرضن له ويرفضن المطالبة بحقوقهن تجاه انفسهن‪ ،‬ولا ت ازل ذات‬
‫الإجابات التي كنا نسمعها في السابق هي ذاتها التي نسمعها اليوم حيث تختلق الزوجة لزوجها من الأعذار‬
‫ما يكفي لتبرئته من تهم ضربها أمام نفسها وعائلتها وأصدقائها‪ ،‬هذا إذا عرف أحدهم بأمرها‪ ،‬أما الباقيات‬
‫فيظللن منفوخات الوجوه متورمات العيون ومرضوضات الأجساد وتفسيرهن لأحوالهن لا يتعدى كون الواحدة‬

                                       ‫منهن سقطت من على السلم أو اصطدمت بإحدى حوائط المنزل!!‬
‫والأمر من ذلك كله‪ ،‬بأننا حتى اليوم‪ ،‬وبالرغم من كثرة المتحدثين الرجال ضد ما يقع على الم أرة من الظلم‪،‬‬
‫ورغم الشعا ارت التي يطلقها الجميع برفضهن للعنف ضد الم أرة‪ ،‬ألا أن كثي اًر من هؤلاء يؤمنون بطريقة أو‬
‫بأخرى باستحقاقية الم أرة لذلك الضرب‪ ،‬أو على الأقل يجدون من الأعذار للرجل ما يكفيه ليفكر بقتلها وليس‬
‫بضربها فقط‪ ،‬إذ نجد أبسط الجمل التي تنطلق من ألسنة رجالنا "والله شوفو شنو اهي سوت علشان ايطقها‬
‫زوجها جذي!" فأصبح الأمر هذا كالمسلمات التي فتحت مجالا اوسع للرجل للتطاول الذي أقنعه المجتمع‬
‫بأنه احد حقوقه الزوجية! فلماذا يعتقد البعض بمجرد أن يرى رجلا شوه زوجته ضربا بأن لابد من وجود سبب‬
‫منطقي لهذا الضرب تكون فيه الزوجة المتهمة الأولى؟ وطبعا يكون الاتهام المطلق والذي يغفر الحكم‬
‫المجتمعي للرجل على ضوءه كونه مثلا شك بتصرفاتها! فياله من رجل مسكين هذا الزوج الذي اضطر‬
‫لتشويه زوجته والدخول الى السجن بسبب تصرفاتها اللامسئولة‪ ،‬وبعدها تأتي من الاتهامات ما بين كونها‬
‫رفعت صوتها عليه‪ ،‬أو خالفت أوامره في شي ما‪ ،‬أو حتى "نرفزته"‪ ،‬وعلى ضوء ذلك يعذر الزوج على ما‬
‫فعل لأنه كان "مستحمقا" بينما ربما يلقى اللوم من القليلين الذي قد يعاتبونه قائلين "إي ما عليه بس جان عاد‬
‫ما طقيتها على وجهها"‪ ..‬بمعنى لو كسرت لها يدا أو ساقا ربما كان الأمر أكثر رحمة! فكم هي حمقاء‬

                                                                                          ‫مجتماعتنا!!‬
‫كثيرة هي التناقضات التي خلقها المجتمع‪ ،‬بل وربما خلقتها عاداتنا وتقاليدنا التي تعطي الرجل الهيبه والمكانة‬
‫لدرجة العبودية‪ ،‬بينما تفرض على الزوجة الانصياع والذل باسم الصبر والاحت ارم‪ ،‬وتختلط الأمور لتصل‬
‫ذروتها من اللامنطقية عندما يتم ارجاع تلك التناقضات الى الدين او ما قد يسمى بالفرق بين سلوكيات‬
‫الرجل المباحة وتصرفات الزوجة المحرمة! فهو من حقه أن يعجب ويحب ويتزوج أخرى بل أخريات‪ ،‬بينما لو‬
‫رفعت هي عينها بعين آخر استحقت الضرب والتشويه! لا أقول ذلك لأطالب للم أرة بحق جائر بالنظر لغير‬
‫زوجها‪ ،‬بل لأضع تصرفات الزوج في مي ازن غير الذي خلقه له مجتمعنا باسم الرجولة‪ ..‬واستند به باسم‬
‫الدين‪ ..‬فكفانا تشويها للدين‪ ..‬فلماذا يتسارع الرجال لعمل ما يحسبونه حقا لهم بالضرورة ويتركون ما هو‬
‫فرض عليهم على الدوام‪ ..‬ومن ذلك قوله تعالى "واضربوهن" التي يأخذها الكثير من الرجال كالحجة على‬
‫الم أرة وقبلت هي بها كحكم الدين‪ ..‬وأنا لحكمه أن يكون كذلك! فلو أعطى الدين الحق للرجل لضرب الم أرة‬
‫وردعها كيف يسحب منها هذا الحق لتردعه!! بل ولا يعطيها الحق ولا القوة على ذلك‪ ،‬فكيف يكون هذا الدين‬
‫عادلا وآم ار بالقصاص وفي ذات الحين هو من يعطي الرجل حق ضرب الم أرة والتقليل من آدميتها‬
‫وانسانيتها‪ ،‬ورسولنا الأعظم نهى أن يقبح الرجل زوجته بالقول فكيف يقول بتقليله لك ارمتها وآدميتها‪ ،‬ولا‬

                         ‫أحسب أن هناك اختلافا على كون الضرب اهانة انسانية مهما كبرت او صغرت‪..‬‬
‫يلجأ الانسان للضرب عندما يعجز العقل عن المخاطبة‪ ،‬فنحن نلجأ لضرب الحيوان على أداء سلوك معين‬
‫لأن الحيوان لا يستوعب ما نريد‪ ،‬والدين ايضا نهانا عن فعل ذلك لغير الضرورة القصوى‪ ،‬فكيف يقوم ذات‬
‫الدين نفسه بتحليل ضرب الم أرة وهي ذات عقل‪ ،‬لذا فأنا اعتقد بأن من يقول بأن الآية الكريمة قالت بضرب‬
‫الم أرة عندما تشاء النشوز يخطئ التفسير‪ ،‬فالأجدر بأن يكون الضرب الذي قصدته الآية كان السفر وترك‬
‫المنزل من باب أولى بدليل أن الآية التي جاءت تسبقها تقول "واهجروهن في المضاجع" وذلك حسب ما ذكره‬
‫الشيخ خالد الجندي عندما ُسئل عن ذلك عندما وقعت حادثة المذيعة السعودية ارنيا الباز‪ ،‬كما حرمه الشيخ‬
‫ابن حجر العصقلاني لذات المنطقية‪ ،‬وأنا شخصيا لا أجد أي تفسير من قريب أو من بعيد يدعو للضرب‬
‫غير المبرح أو الضرب بعود السواك أو الوكز بمعنى "المداقلة" كما يفسر غالبية الشيخ مفهوم الآية‪ ،‬لأن هذا‬
‫النوع من الضرب لا يسبب أث ار ماديا ولا معنويا‪ ،‬إذن فما الأصل من وجوده؟ كما أن إجازة الضرب التي‬
‫جاءت في موضع الآية مع اختلاف التفاسير كانت مجازة في حالة إن كانت الم أرة مخطئة لا غير وبالاتفاق‪،‬‬
‫وجاءت تحديدا في حالة النشوز‪ ،‬وهي وضعية حرجة يصعب عندها ايجاد الحلول الشافية‪ ،‬فكيف بحل‬
‫كالضرب! فهل يعقل أن التي اتخذت ق ارر الانفصال عن زوجها أو حتى فكرت به ستت ارجع بسبب ضرب‬
‫عود السواك؟! فقد سمعنا عن زوجة كادت تهجر زوجها ولكنها ت ارجعت في آخر لحظة عندما أهداها هدية‬
‫قريبة لنفسها‪ ،‬أو خاطبها بحديث تحب أن تسمعه‪ ،‬ولكنننا ما سمعنا عن واحدة ت ارجعت عن ق ارر الهجر‬
‫وعادت لزوجها عندما ضربها ضربا غير مبرح!! والا فليعمل القائلين بهذا الضرب احصاءات ويأتونا بالدليل‬
‫الذي يثبت تفسيرهم للآية الكريمة‪ ،‬ولا نريد دليلا او قولا من التاريخ بل نريد احصاءات وحالات من الحياة‬
‫التي نعيشها اليوم‪ ..‬وإن وجدوا "افت ارضا" مت ارجعات عن النشوز بسبب الضرب غير المبرح فليتأكدوا من مدى‬

                                         ‫التواد والت ارحم الذي خلفه هذا الاسلوب في الارجاع‪ ..‬والله اعلم‪..‬‬
‫كذلك نجد من الرجال اكثر مما نجد من النساء من المطالبين او الداعين لأن تطالب الم أرة بحقها الشرعي في‬
‫المحاكم من اول صفعة تتلاقاها من زوجها حتى ندرء هذا السلوك ونمنع تطاوله‪ ،‬بل يلوم الكثيرون الم أرة‬
‫الصامته ويحملونها مسؤولية العنف الذي تتعرض له بسبب سكوتها عن حقها‪ ،‬وهناك من يقولون باستحقاقها‬

                   ‫له طالما هي صامتة! ولكن هل يحسب هؤلاء ان الامر بهذه السهولة التي ينطقون بها؟!‬
‫فلو توجهت الزوجة الى المحاكم من اول ضربة لاضطررنا لزيادة المحاكم في انحاء بلادنا‪ ،‬ولزدنا‬
‫احصائيات الطلاق ولشتتنا المزيد من الاطفال‪ ،‬لان الرجال العرب العصبيون الذين يخرجون من طورهم‬
‫عندنا كثيرون‪ ،‬منهم من يخرج منه إذا تأخر عليه الغداء وآخرون اذا ضايقهم بكاء الطفل بالليل‪ ،‬ومنهم من‬
‫إذا لم يعجبه بياض ثوبه بعد الغسيل‪ ،‬والبعض إذا وجد جواربه مثقوبه! هذا غير المحترمين الذي ينزلون‬
‫غضبهم من مد ارئهم أو موظفيهم أو ديونهم او حتى خسارتهم في لعبة ما على تلك المسكينة التي تنتظر‬
‫بالبيت‪ ،‬هذه هي عقلية الكثير من رجالنا حتى اليوم‪ ،‬فما عسى الم أرة فاعلة؟ فهي في النهاية انسان قد يخطئ‬
‫الطبخ او الغسل او التربية في باقي عمرها الذي ستعيشه مع زوجها‪ ،‬فالم أرة لو حصلت على صفعة من‬
‫زوجها لخجلت من اخبار اهلها حتى لا يتكلموا على زوجها بالسوء وكي لا يكرهوه أو يقللوا من احت ارمه‪،‬‬
‫لانها في النهاية تريده ولانه يظل والد ابنائها فتفضل الصبر عليه لعلها تصلحه‪ ،‬فكيف اذن تريدون ان تذهب‬
‫به الى المحاكم بهذه البساطة لتحصل على حقها؟ هي فعلا تريد حقوقها الشرعية لكنها تريدها منه‪ ،‬من‬
‫زوجها‪ ،‬من داخل بيتها‪ ،‬ولا تريد اش ارك احد في خصوصيات حياتها‪ ،‬فهل تفسرون صبر الم أرة وحبها لزوجها‬

                                                                             ‫نقصا في ذاتها وذكائها؟!‬
‫انا اعتقد بان الوقت والعصر اليوم يفرض علينا الانتقال من هم توعية الم أرة بحقوقها الشرعية والتركيز على‬
‫إرشاد الرجل لكيفية أداء واجباته! ليست هي من علينا التفكير في كيفية مساندتها لتحصل على حقوقها‪ ،‬بل‬
‫هو من يجب علينا تذكيره بما هي واجباته الزوجية‪ ..‬فاللجوء الى القانون ليس بهذه السهولة‪ ،‬ولا يحل‬
‫المشكلة في كثير من الأوقات! هذا ان كان هذا الآخر منصفا!! فمعظم أشكال العنف الحاصلة في‬
‫مجتمعاتنا لا تحصل بسبب قلة وعي الم أرة بحقوقها بل تحصل لسوء فهم الرجل لحقوقه‪ ،‬أو لعدم رغبته في‬
‫فهمها طالما هو المستفيد! لذلك فأنا كثي ار ما أردد بأننا بحاجة إلى الج أرة التي تجعلنا نعدل الموازين الخاطئة‬
‫التي تربينا عليها‪ ،‬نحتاج من الرجال من يتنازل عن عرش الملك الذي نصبه المجتمع فيه لتكون له كل‬
‫الرفاهية والهيبة والمتعة على حساب حقوق زوجته فيقف ليقول بصدق "هذا خطأ" ويطالب بحياة إنسانية‬

                                                                                      ‫عادلة للاثنين‪..‬‬
‫وأخي اًر أود أن أنوه‪ ..‬بأني لست مع أن تسكت الزوجة وتستلم الصفعات‪ ،‬ولكني ضد هدم البيوت بسبب‬
‫لحظات الغضب‪ ،‬إذ يحصل أحيانا أن يغضب الرجل ويرفع يده‪ ،‬ولكنه سرعان ما يشعر بالذنب ليعود‬
‫ويعتذر‪ ،‬وهذه الامور واردة ليس فقط في العلاقات الزوجية بل على صعيد اي علاقة‪ ،‬لكن الخطأ في أن‬
‫تسكت الزوجة على ذلك إذا اصبح سلوكا طبيعيا في الرجل‪ ،‬كأن يضربها على ابسط الاسباب وبشكل متكرر‬
‫وهو في كامل ات ازنه تجاه الموقف‪ ،‬فذلك حتما يستدعي اج ار ارت جادة وحاسمة‪ ،‬فعلى الم أرة ان تؤمن بانها‬
‫ذات‪ ،‬فعليها أن لا تظلم نفسها بافساح المجال لأي كان بأن يتعدى على ذاتها‪ ،‬والضرب من الإهانات‬
‫العظمى للذات الإنسانية‪ ..‬فلا ترضين أخواتي بحياة الذل باسم الحب‪ ،‬فحتى الموت عزي ازت أرحم من الحياة‬
‫ذليلات‪ ..‬أما "ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب" فهي مقولة كاذبة‪ ،‬لأن الضرب قد يطيح بالأسنان! ومن ثم‪..‬‬

                                                                                ‫لا حبيب‪ ..‬ولا زبيب‪..‬‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة