واجه المجلس النيابي في الفترة السابقة كمية ليست بالقليلة من الانتقادات ،ولعله في دورته الحالية
سيحاول تقديم ما قد يخّفف من موجة تلك الانتقادات ،ولكن تظل المقترحات التي يطرحها المجلس
بحاجة الى مزيد من الم ارجعات!
لن اتوقف عند مشروع العيدية التي انشغل بها عامة الناس وكانت حديث المجالس طوال فترة
رمضان ،وان كانت مشروعا حسب لصالح السادة النواب كونه استطاب لعامة الناس ،الا ان الخروج
بمشاريع ناجحة تصب في مصلحة الشعب والمملكة يحتاج لمحسوبيات ومجهودات اكبر ليتكلل لها
النجاح ..ووقفة عند مشروع فصل الجنسين في الجامعة!
لست من المعارضين بشدة لموضوع الفصل ولكني في ذات الوقت لست مؤيدة له ،ومن ازوية محايدة
قبل تقييم السلبيات او الايجابيات او حتى اعطاء ال اري المطلق بالموافقة او الرفض ،وبص ارحة ،لم
اجد لنفسي حتى الدافع الكافي للتفكير بهذا الموضوع الذي لا احسب له من الاهمية اليوم ما يوقفه
عند محطات تفكير الاخوة النواب والمواطن كان ولا ي ازل يعاني من الفقر!
لنعمل استطلاعا لل اري ،ولنر كم من الناس رّشح نائب دائرته وهو يحمل احلام الفصل في الجامعة!
او بالاصح من يجد فصل الجنسين هذا معضلة مؤثرة في حياة المواطن البحريني! واتساءل لماذا
نفكر بالاوليات بالمقلوب! هل كنا نحلم بالبرلمان لنتوقف عند مثل هذه المطالب!! اعلم بان كلامي
قد يبدوا استخفافا بما قد يحسبه البعض اولويات ،ولكن لماذا لا نكون صادقين مع انفسنا ونرتب
اوليات المواطن قبل ان نشغل انفسنا وغيرنا بما قد لا نحتاج على الاقل اليوم في التفكير به!
اعلم ان البعض من الطلبة والطالبات واولياء الامور قد يرون ان الفصل أمر جيد ،بل قد ي اره
البعض ام ار واجبا ،ولكن بغض النظر عن مدى موجوبية هذا الامر او فائدته الدينية او الروحانية،
الى اين سنصل بعد هذا الفصل؟ قد ننجح في تطبيق هذا الفصل يوما ما ،ولكن في ماذا سيفيدنا
هذا الفصل؟ لقد طرحت الكثير من المعادلات على صعيد هذا التوجه ولكن اغلبها تفتقر الموضوعية
او المصداقية على الاقل على المدى البعيد! فان كان البعض يعتقد بان الاختلاط فسق او يؤدي الى
انح ارفات اخلاقية بين الشباب ويبعد الآخر عن التركيز في الد ارسة او انه لا يتناسب مع مجتمعنا
المحافظ او الى ما آخره قد يحمل بعض المصداقية ،ولكن ..الن يختلط هؤلاء الشباب في مواقع
عملهم مستقبلا؟ هل يعي هؤلاء المؤيدون من الطلبة او اولياء الامور او غيرهم بان هذا الفصل
سيستنزف من مي ازنية التعليم الجامعي ما قد يفيدهم اكثر في تطوير مخرجات هذا التعليم وتحقيق
بيئة تعليمية افضل؟ فايهما اولى استغلال المي ازنية لتطوير التعليم في الجامعة وتطوير الم ارفق
ومنتجات التعليم؟ ام بذل كل هذا الجهد لافصل الجنسين ثلاث او خمسة سنوات وانا اعلم بانهما
سيختلطان ببعضهما باقي العمر؟ لم لا اغير طريقة تفكيري السطحية بموضوع الاخلاق!! لم لا افكر
في كيفية تربية ابنائنا على الاخلاق الرفيقة التي تكفل لهم احت ارم انفسهم في اي زمان او مكان مع
انفسهم والجنس الآخر بغض النظر عن مواقعهم من بعضهم! هل افصلهم عن بعضهم كالمعاقين
اخلاقيا لينقضوا على بعضهم في الخفاء؟ ام اتركهم مع بعضهم واربيهم على احت ارم ذواتهم وانسانيتهم
ليتعلموا كيف يتعاملوا مع الاخلاقيات الانسانية؟ فكلنا نعلم بان ليس الشريف هو من يقي نفسه الاثم
بوصد الابواب بل الشريف هو من يقي نفسه المنك ارت وهي تحيطه! فاي الشرفاء نحاول ايجادهم في
المجتمع؟!
فبدل التفكير بخطوة كبيرة نسبيا كالفصل ،لماذا لا افكر بمشاريع اهم واكبر كموضوع التربية
الجنسية ،والسلوكيات الاخلاقية ،والعلاقات الصحية ،والقيم الانسانية ،واهيء هؤلاء الطلبة والطالبات
للاجواء النفسية السليمة حتى لا يكون اختلاطهم مشكلة تحتاج مي ازنية لحلها؟ لا بأس ان كنا نفكر
بالفصل لنخلق قد ار اكبر من الخصوصية ،فلا بأس في الفصل في غرف الم ارجعة في المكتبة او
في كافيتيريات الجامعة ،فهناك نكفل لكل جنس خصوصيته منعا للاح ارج ،كما ان ذلك لن يكلف
جهودا كبيرة ،ولا باس في الفصل في الصفوف كان يجلس الاولاد في الجانب الايمن والفتيات في
الايسر ربما ايضا لتحقيق نوع من الارتياح النفسي وتخفيف بعض التوتر والاح ارج الذي قد يصيب
البعض وخاصة الفتيات ،اما فصل الجنسين في صفوف متفرقة لا اجد لها اي مبر ارت كافية! اذ
لازلت اجهل ما المصيبة في ذلك!! فالاستاذ سيدخل الفصل وسيشرح وسيخرج ومن لديه اسئلة
سيرفع يده ويسأل وتنتهي الحصة وكل على بيته! اما من قد يقول بان صوت الفتاة عورة وهي لا
تستطيع السؤال امام وابل من الاولاد فهذا كلام لا يحمل اي اساس من الصحة! فالفتاة التي وصلت
لمرحلة التعليم الجامعي يجب ان تكون بدرجة اعلى من النضح والثقة لتطالب بما هو حق لها ،والعلم
مكفول للجميع ،وكونها تخجل لا يعني ان افصلها بل ان اعالج خجلها لانها في الغد ستدخل ميدان
العمل الذي سيتطلب منها ان تتكلم بصوت جهور لتحّلل ارتبها!
لكل ذلك ،علينا ان نحدد ما نريده بالضبط قبل ان نطرح مثل هذه المطالب! هل اريد بيئة صحية
وشبابا واثقين من انفسهم ومن مواقفهم تجاه اطروحات الحياة الطبيعية ،ام شباب متذبذبين امام
الاخلاق والمواقف سيخرجون لميدان العمل والمسؤولية ويفتحون بيوتا وهم لا يملكون في انفسهم من
الثقة ما يؤهلهم للتعامل مع النصف الآخر الذي يشاركهم بناء هذا المجتمع! ما الجدوى من الفصل
ما دامت المملكة كلها مختلطة في شوارعها ومجمعاتها وو از ارتها وكل دوائرها الخاصة او الحكومية؟
ما الحاجة في ان نفصلهم لد ارسة تخصصات الهندسة والادارة والتكنولوجيا ونحن سنخلطهم في
الو از ارت والبنوك والشركات؟ لا اعرف كيف يفكر من يرى اهمية الفصل المؤقت هذا خاصة من غير
المتدينين ،اما المتدينين فانا احترم وجهة نظرهم هذه لانهم في الغالب قد يرون الفصل واجبا حتى
في اطار العمل والحياة العامة ،ولعلم سيسعون لذلك مستقبلا ،اما بالنسبة لي كاحد العامة ،فانا لا
اجد تبري ار منطقيا على حاجتنا لصفوف ذكورية او انثوية!! خاصة في مؤسسة ثقافية لابد ان نؤهل
من يدخلها ليكون على درجة كافية من النضج لبناء مجتمع واع متعلم! فانا لا احسب المشكلة في
اختلاطهم بقدرما هي كيفية التعامل مع هذا الاختلاط ،وكان الاجدر بالسادة النواب تقديم اقت ارحات
لكيفية تكوين بيئة مختلطة صحية بين الطلبة والطالبات لبناء العلاقات السليمة وليس الاجبار على
الحد من ما قد يؤول لعلاقات سوء!
ليس المهم ان يمتنع الشاب من مخالطة الفتاة او العكس بقدرما هو مهم ان يتعلم الجنسان كيفية
التعامل مع بعضهما البعض باحت ارم ذواتهما الانساية وقيمهما الدينية! انا لا احسب ان قضية الفصل
هذه قضية مساواة او تمييز او حقوق م أرة او غيرها ،فالقضية اصغر بكثير من ان تدرج تحت هذه
المسميات ،بل هي قضية قد لا تتعدى ما قد يعتبره البعض عادات وتقاليد شرقية لا ازل البعض
يطالب بالاحتقاظ بها ،وربما يعتبره آخرون قضايا امر بالمعروف ونهي عن المنكر ،بمحسوبية ان
الشيطان دائما ثالث الجنسين! وانا اعتقد بان هذا الكلام قديم جدا ليتواكب مع ما يتطلبه العصر ليس
فقط على المستوى الدنيوي بل حتى الديني! فالدين اليوم ليس علم الكتاتيب "المطوع" بل الدين اليوم
هو علم الصفحات الالكترونية ،لذلك علينا لن اقول التنازل عما لا اشكك بملزومية احت ارمه بل اقول
علينا شرح صدورنا اكثر لتقّبل عالم اصبح فيه من التعقيد ما لن تفك عقده الاساليب القديمة من
الفصل والحبس والامر والنهي ،بل نحتاج لاساليب حديثة تتلائم مع اجواء الانفتاح مع ثقافات العالم
من جهة ،وما يكفل لنا احت ارمنا لعقيدتنا وقيمنا من جهة اخرى ..فالاختلاط لن يجرح يوما ك ارمتنا
كمسلمين اذا أسسنا أجيالا كفؤا لهذا الاختلاط ،والفصل قد لا يحافظ على شرف ديننا إن كانت قلوب
ابنائنا تحمل الرغبة في العصيان ..فنحن لا نريد أن نكون أف اردا زرقاوية تدحرج رؤوس المنكر ..بل
نريد شعوبا محمدية تكسب القلوب بالمعروف..