رجوع للمقالات
السبت, 20 مارس 2004 01:52 ص

قدم أو ساق‪ ..‬الناتج أعرج!‬

شهد العالم العربي والعالم المسلم والعالم الانساني في الايام الاخيرة نكتة جديدة من النكت الـ ‪made in‬‬

‫‪ USA‬عندما وقف الوصي ارمسفيلد ليؤدي اعتذا ار رسميا مؤث ار وليقسم ارفعا يده ليتحمل مسؤلية ما جرى مع‬

‫المعتقلين الع ارقيين على ايدي بعض المرتزقة من فئ ارن الاحتلال المعتادة على سرقة الجبن من المطابخ في‬

‫المساء بينما تظهر نواياها الحسنة طوال النهار بلعق اذنابها في جحورها محترمة حقوق اصحاب المنزل في التنزه‬

                     ‫فيه دون رؤية اخلاقياتها المقرفة‪ ..‬فأي عقول يحسبون انفسهم يخاطبون؟‬

‫التقت قناة الجزيرة الكاتبة والباحثة »حياة حويك «من باريس على الهواء مع مدير منتدى الشرق الاوسط »دانييل‬

‫بايبس« من فلادلفيا في برنامج حوار مفتوح‪ ،‬ليتحدثا عن غياب حوار الحضا ارت كالتي ادت الى انتهاكات الذات‬

‫الانسانية التي حصلت في سجن ابو غريب في الع ارق‪ ،‬لتضيف الى تأكيدنا تأكيدا بكم نوايا السياسة الامريكية‬

‫خالية من النبل الذي تعتزمه‪ ،‬حيث كانت تفسي ارت الآخر للمارسات التي حصلت اعذار اقبح من الذنوب‪ ،‬كما ان‬

‫خلط المصطلحات الذي وقع فيها المحترم دانييل جعله يقر بغباء نظرة هذه الامة للشعوب العربية وهي نظرة لا‬

‫تحمل غير التقليل والاستخفاف‪ ،‬اذكر من كلامه »لا نقول بأن الحال في الع ارق اصبح جيدا ولكنه افضل من‬

‫الوضع ايام صدام حسين‪ ،‬وان كنتم تعرضون اناس تعرضوا للاذى في ظل الاحتلال فمن العدل ان تعرضوا‬

‫آخرين يشعرون بالارتياح! الشرق الاوسط والعرب يقومون بخطأ كبير اذا تجاهلوا التجربة الديمق ارطية الامريكية‬

‫فهي ذات خبرة طويلة في هذا المجال‪ ،‬وانا اعتقد بان النظرة الى الاهداف الامريكية ونواياها بشك هو سبب‬

‫وستعرفون‪«..‬‬  ‫تهديدا‬  ‫نمثل‬  ‫لا‬  ‫نحن‬  ‫العربي‪،‬‬  ‫الانفعال‬

‫عزيزي دانييل‪ ..‬عندما دخلت قوى الاحتلال الع ارق لم تكن تفكر بجعل الحال ـ على حد قوله ـ افضل من احوال‬

‫صدام حسين بقدر ما كانت تفكر بجعل الحال جيدة! فمقارنة الاحوال اليوم بالاحوال السابقة او سجون الاحتلال‬

‫بسجون صدام لا يحمل مضمونه النوايا الحسنة بقدر ما يحمل الاستخفاف‪ ،‬صدام ماضي بتر ساق الشعب‬

‫وامريكا حاضر يبتر قدمه والنتيجة في كلتا الحالتين مستقبل بشعب اعرج!! اما المعادلة ـ العادلة ـ التي عرضها‬

‫عزيزنا بطلبه استضافة اناس سعيدة بالاحتلال كما نعرض المستائين منه فهي معادلة لا تحقق اصلا شروط‬

‫الوصف بالمعادلة! صدام كان ظالما وجلادا وطاغية وهذا لا خلاف عليه بالاجماع فهو يظلم ـ عين بعين ـ ولا‬

‫يلعب دور حمامة السلام كما يفعل الحبيب بوش بوجهه الاحمر البريء‪ ،‬فعرض اناس سعيدين لا يعني بان‬
‫الاهداف الامريكية المزعومة قد تحققت‪ ،‬بل كل ما قد يعنيه بان ظلم صدام قد غاب‪ ،‬وغياب ظلم صدام لا يعني‬
 ‫بالضرورة ان امريكا ليست اش ارق ظلم جديد! بدليل فضائح المعتقلات التي لم يجربها بعد السعيدون بالاحتلال!!‬

‫اما عن الخبرة الامريكية ـ فنعم ـ انها تعطي الكثير من الحريات لشعوبها‪ ،‬حريات قد تصل لدرجة الاغتصاب‬
‫والقتل كما حصل في ابو غريب وشوارع بغداد والفلوجة والبصرة والنجف وغيرها وطبعا لا شك في ان السياسة‬
‫الامريكية لديها الخبرة البارزة في الانتهاكات ذات النوايا الحسنة التي بدأت بفلسطين وسارت لافغانستان حتى‬
‫وصلت الع ارق والله اعلم بالمحطة التالية من مشوار قطارها الذي لا يتوقف‪ ،‬ثم من خلق هذا الشك الذي يتكلم‬
‫عنه مديرنا هذا؟ أليست امريكا نفسها؟! وإلا ما الذي وجه اعين بوش الرؤفة لمساعدة الع ارق وتحقيق الديمق ارطية‬
‫على ارضها بينما هناك دول تعاني الفقر وغياب الحريات ربما اكثر من الع ارقيين كالسودان والصومال و ازئير‬
‫وارتيريا وغيرها‪ ،‬أليس ذلك كله ـ كرمان عيون الآبار ـ ؟؟ وهل الحرية عند امريكا في الاعتقال والمداهمة‬
‫والتعذيب! واين حوار الحضا ارت الذي سنخطأ خطئا فادحا اذا لم نتعلمه ‪###‬البصرة الحكومة الامريكية؟ من‬
‫و ازرة النفط وانابيبها التي لم تحرس امريكا غيرها في الع ارق؟ ام من جامعة البصرة والمتاحف والت ارث والتاريخ‬
‫الذي حطمته في‪ ###‬صوتها من الاباء والعروبة ما يكفي لاهنئها على قولها »الع ارق لم تنتظر امريكا لتبني لها‬
‫قيادة وحضارة فالع ارق كانت كذلك قبل ان تنوجد امريكا« فما بال الامريكان اليوم يدغدغون مشاعرنا ليبنوا لنا‬

                                                                                                 ‫تاريخا!!‬
‫اما التعويضات الموعودة من ارمسفيلد فهي ليست إلا سيناريوهات مسلسل »النوايا الحسنة «التي تصر امريكا‬
‫على انتاجه واخ ارجه والمشاركة فيه في كل مهرجانات الصلح والسلام الديمق ارطية والحوار التي تشهدها المنطقة‪،‬‬
‫مع انه ليس إلا مسلسلا تافها يتابعه الجميع لا لجودة مادته بقدر ما يتابعونه لكثرة مغرياته التي يتعطش العرب‬
‫مكتوفي الاذرع ومعصوبي القرنيات لنيل القليل منها‪ ،‬كما كنا نشاهد قديما في الافلام الهندية عندما يستأجر‬
‫البطل بعض الشباب ليتحرشوا بحبيبته ثم يمثل مفاجأتهم لانقاذها ويبدأ بضربهم وطردهم لتتضح لها شهامته‬
‫وشجاعته فتقع في حبه‪ ،‬ولكنها سرعان ما تنصدم لكونه لا يقوى على حمايتها من مداهمة صرصور!!‬
‫لما الاعتذار والتعويض ان كنا جميعا نعلم بان كل ما حصل مجرد تمثيلية لكسب الحبيبة ـ حبيبة بوش ـ التي‬
‫تمثل اليوم العالم بشكل عام والعربي بشكل خاص‪ ،‬مع ان الحبيبة اليوم لم تعد تلك الفتاة القروية الساذجة لتنطوي‬
‫عليها اللعبة بل هي فتاة ثورة معلومات معاصرة‪ ،‬تدرك بان ما يجري ليس الا استخفاف ثم استخفاف ثم‬
‫استخفاف‪ ،‬وان ما حصل في هذه السجون حصل بعلم ومنهجية قصدتها ورسمتها وطبقتها السياسة الامريكية‬
‫متعمدة كأحد حلقات مسلسلها الذي اقسمت على ان لا تكون له حلقة اخيرة‪ ،‬دليل ذلك الاسلوب المهين الذي تم‬
 ‫به التعذيب من التعرية الى ممارسة الجنس‪ ،‬الى ان تفاجئنا وكالات الانباء اخي ار بدفاع نائب الرئيس الامريكي‬
‫»ديك تشيني« عن ارمسفيلد بوصفه افضل وزير دفاع عرفه تاريخ الولايات المتحدة‪ ،‬ـ فاذا كان هذا هو الافضل‬
‫فتخيلوا حالة الباقين وتخليوا هذا التاريخ الذي يدعونا دانييل للاستفادة منه! ـ كما قال »ينبغي ان يكف الناس عن‬
‫انتقاد ارمسفيلد ويدعوه يمارس عمله« ـ اي عمل؟! دوس الك ارمة الانسانية العربية!! ـ وهي ليست مفاجأة بعقليات‬
‫هذه الامة الفاسدة بقدر ما هي مفاجأة بدرجة وقاحتها‪ ،‬والاقبح من ذلك ما نقلته صحيفة» الغارديان« من تأكيد‬
‫ضابط بريطاني سابق في القوات الخاصة بان وسائل التعذيب القذرة هذه ليست الا تقنيات شائعة الى حد كبير‬
‫معروفة باسم »مقاومة الاستجواب« حيث يدخل فيها الاذلال والتحقير الجنسي للمعتقل بانتظام!! فهل درس امثال‬

                                                                ‫هؤلاء بنود القانون الدولي ومعاهدة جنيف؟!‬
‫فأي دليل اكبر من كل ذلك على ان ما حصل ليس إلا اسلوب تعمدته اجهزة الاستخبا ارت بعلم من السياسة‬
‫الامريكية لتحقيق احد اهدافها الاباحية لتقول فيها للاسرى وللعرب والمسلمين »أهذا ما ينهاكم عنه دينكم؟‪!«.‬‬
 ‫كما ان تحليل احد السياسيين الذي ظهر مؤخ ار على احدى المحطات الاخبارية كان يرجح ان تكون قصة نشر‬
‫صور التعذيب وتداولها ايضا حكمة امريكية‪ ،‬حتى يقتنع العرب بضرورة ادخال اط ارف اخرى اكثر ثقة من امريكا‬
‫لتساهم في بناء الع ارق جديدة‪ ،‬ولن تكون هذه الاخرى إلا شريكة تلعب احد ادوار الكومبارس الصامت في مسلسل‬
‫امريكا الخبيث‪ ،‬وما حدا هذا للوصول الى ذلك هو استنكاره من امكانية تسرب هذه الصور وانتشارها رغم الرغبة‬

                                                             ‫الامريكية! ولا ادري مدى صحة هذا الاعتقاد!!‬
‫كما يذكرني كل هذا بفيلم تسجيلي عرضته قناة العربية يوضح كيف قتل بعض المجندين الامريكيين ثلاثة من‬
‫الع ارقيين بامر من قائد المروحية التي اطلقوا منها الرصاص‪ ،‬وكنت قد أريت هذا الفيلم على الانترنت قبل اسابيع‬
‫عدة من انتهاكات ابو غريب‪ ،‬فهل ت ارني اعرف اكثر من ارمسفيلد عن ممارسات جنوده؟ غير التقارير التي‬
‫تداولتها الكثير من الجهات والمنظمات كالهلال الاحمر‪ ،‬والتي تشير بالممارسات اللانسانية في المعتقلات والتي‬
‫توزعت قبل فضيحة السجون بشهور‪ ،‬ايعقل ان كل هذا يجري ويتداول وبوش لا ي ازل ـ نائما على ادانو ـ لتبعث‬
‫الحكومة الامريكية اليوم قسمها واعتذارها وتعويضاتها؟! أليست هذه الخطابات تسخيف للعقلية العربية واستخفاف‬
‫بالحقوق الانسانية؟! وهل كانت امريكا لتقبل التعويضات على اغتصاب بناتها المغتصبات اصلا؟! طبعا لا!‪..‬‬
‫فمقام الذات الامريكية لها حسابات خاصة ومختلفة عن الذوات الع ارقية والفلسطينية والعربية‪..‬‬

                                                 ‫فهنيئا للعرب الفلسطين الجديدة‪ ..‬مع بعض التعويضات !‪..‬‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة