رجوع للمقالات
الجمعة, 03 نوفمبر 2017 01:48 ص

حصة ومنيرة‪ ..‬وعشرون عام!‬

‫حصة تخّرجت من الثانوية عام ‪ ،1990‬تخّرجت من الجامعة حيث درست على حسابها الخاص‪ ،‬فقد حصلت‬
‫على "إعفاء" من رسوم الجامعة‪ ،‬وكانت تعمل في الإجا ازت الصيفية‪ ،‬وتعّلم أطفال الحي في أيام الأسبوع‬

                                      ‫ونهايته لتّدخر من المال ما يكفي لأكلها ولبسها ولملّفاتها الجامعية‪..‬‬
‫وعندما تخّرجت اشتغلت لمدة ثلاث سنوات في وظائف مختلفة‪ ،‬من كاشير‪ ،‬بائعة‪ ،‬معلمة في روضة‪ ،‬سكرتيرة‪،‬‬
‫موظفة استقبال إلى آخره‪ ،‬اشتغلت واّدخرت المال وصّلت للحصول على وظيفة العمر "معلمة"‪ ..‬إلى أن جاءتها‬
‫فرصة في مدرسة خاصة "معلمة مساعدة" بمكافأة رمزية‪ ،‬فتركت كل الوظائف الأكثر ثباتا‪ ،‬واشتغلت بالمدرسة‬

                                             ‫لتكتسب الخبرة ولتكون أكثر استعدادا لتكون حلمها "معلمة"‪..‬‬

‫ظّلت تعمل كمساعدة بنظام جزئي‪ ،‬إلى مساعدة بنظام كّلي‪ ،‬الى "معلمة"‪ ..‬ولم تتوقف سعادتها عند تحقيق‬
‫حلمها‪ ،‬بل كانت حينها اّدخرت ما يكفي من المال لتكون "معلمة أفضل"‪ ،‬فهي تفكر بد ارسة "دبلوم عالي في‬
‫التربية" لتطّور من نفسها‪ ،‬وفعلت ذلك مساءا في إحدى الجامعات الخاصة لمدة عام كامل لتصبح "معلمة‬
‫أفضل" فلديها الآن دبلوم عالي"‪ ..‬والحمدلله هي سعيدة تطّبق كل ما تعلمته في فصولها‪ ،‬تعلم التلاميذ بالألعاب‬

                                                 ‫وبالمواد والادوات وبأحسن الاست ارتيجيات التي تعلمتها‪..‬‬

‫لكن‪ ..‬لا ت ازل تشعر بأن الطلبة لا يحّبون الد ارسة كفاية‪ ..‬وهي قد اد ّّخرت المال‪ ..‬وتستطيع د ارسة ماجستير‬
‫في التربية‪ ..‬فلا ت ازل هناك مشاكل لا تعرف كيف تسيطر عليها في الصف‪ ،‬فهي تريد أن تكون "معلمة ذات‬

‫رؤيا"‪ ..‬وتعود للد ارسة المسائية‪ ،‬وعامين متتاليين وتحصل على الماجستير‪ ،‬وتصبح صفوفها نموذجية‪ ،‬وأيامها‬

                                                         ‫مع طالباتها مليئة بالحيوية والاستمتاع والتعّلم‪..‬‬

‫ولكنها أحيانا تشعر بأن هناك أمو اًر في الإدارة الصفّية تصعب عليها فتفقد السيطرة على الصف‪ ،‬وهي الآن‬
‫تدّرس في الاعدادية والتعامل مع الم ارهقات أمر لا تتقنه‪ ،‬وهي لا تريد أن تكون في مكان تشعر فيه بالنقص‪،‬‬
‫وكأن هناك علوما انسانية تفتقدها‪ ،‬مع أنها تدفع الكثير من المال لورش العمل والدو ارت التدريبية القصيرة‬

‫لتطّور من أدائها‪ ..‬ولكن بلا جدوى‪ ..‬فتضطر أن تتّخذ ق ار ار صعبا‪ ..‬ستسافر لد ارسة الدكتو ارة وستترك عائلتها‬

                                                               ‫‪‬‬
‫لمدة ثلاث أعوا ٍم كاملة‪ ..‬في الغربة وعلى حسابها الخاص‪ ،‬ستنفق كل ما في حسابها لتكون "معلمة درجة‬
‫اولى" وتعود لتكون ذلك‪ ..‬تصبح رئيسة قسم تدير صفوفها بكل سلاسة وتعّلم معلمات قسمها كيف يفعلون‬
‫ذلك‪ ،‬وتعّلم طلبتها على الجد والاجتهاد والطموح لتحقيق الذات التي ينعكس نجاحها على نجاح طلبتها‪..‬‬

                                                             ‫واستمرت تفعل ذلك بسعادة لمدة ‪ 25‬عاماً‪.‬‬
                                         ‫ولكن المفارقة التربوية‪ ..‬في من تخّرج من الثانوية بعد ‪ 20‬عام‪..‬‬
‫منيرة تخّرجت عام ‪ ،2010‬حصلت على منحة للد ارسة بالجامعة من الشركة التي يعمل فيها والدها‪ ،‬وتخّرجت‬
‫من الجامعة‪ ،‬واستطاعت الحصول مباشرة على وظيفة "معلمة"‪ .‬اشتغلت كمعلمة لمدة فصل د ارسي واحد‬

‫ومباشرة تمكنت من الانتساب في برنامج "دبلوم عالي في التربية" الذي صارت إدارة التعليم تطرحه مجاناً‬
                       ‫للمعلمين ال ارغبين في تعديل كادرهم الوظيفي‪ ،‬وبعد عام كامل حصلت على الدبلوم‪.‬‬

‫وبعد فص ٍل د ارسي آخر‪ ،‬قّدمت على منحة لد ارسة الماجستير وحصلت عليها‪ ،‬حيث أن إدارة التعليم اليوم عكس‬
‫عام ‪ 1990‬أصبحت توفر بعض المنح الد ارسية للمعلمين ال ارغبين في إكمال د ارساتهم العليا للتطوير من‬

‫ممارساتهم التربوية‪ ،‬وبعد عام آخر حصلت على درجة الماجستير‪ .‬وبعد عام د ارسي واحد قضته في حضور‬

‫ورش العمل والدو ارت التدريبية المجانية التي صارت الو ازرة تقدمها لمنتسبيها‪ ،‬استطاعت الحصول على منحة‬

‫لد ارسة الدكتو ارة من الشركة التي يعمل فيها والدها‪ ،‬فسافرت مع والدها وأكملت د ارستها وعادت دكتورة وتقّلدت‬
                                            ‫منصبا في الوز ارة وتركت التدريس في أقل من خمس سنوات‪.‬‬

                                                                 ‫ولكن‪ ..‬أين المفارقة بين حصة ومنيرة؟‬

‫حصة ومنيرة اجتمعتا في ورشة تدريبية لتطوير التعليم‪ ،‬جلستا على نفس الطاولة‪ ،‬وشاركتا تجربتهما التربوية‪،‬‬

‫فبدأت منيرة بالشكوى من الخمس سنوات التي قضتها في التدريس‪ ،‬فاشتكت من كثرة الحصص ومستوى الطلبة‬

‫وكثرة الأعمال الورقية وطول ساعات التصحيح والتحضير وطول المناهج وتعب الوظيفة‪ .‬كما ذكرت كم شقت‬

‫في الد ارسة وتعبت وتغّربت للارتقاء في سّلم الوظيفة‪ ،‬وطالبت بعدم ربط السّلم الوظيفي بالد ارسة والتدريب‬
                                                        ‫والاكتفاء بالترّقي الوظيفي حسب سنوات الخدمة‪.‬‬

‫بينما شاركت حصة تجربتها التربوية‪ ،‬فبدأت بالحديث عن السنوات الممتعة التي قضتها في التدريس‪ ،‬فتكلمت‬
‫عن الساعات الجميلة التي تقضيها مع طلبتها وهم يتف ّكرون ويجربون أشياء جديدة‪ ،‬والمعارض التي شاركت‬
‫وطلبتها فيها‪ ،‬والانجا ارت التي حققتها مدرستها بطلبتها محليا ودوليا‪ ،‬والأهداف التي وضعتها لنفسها وطلبتها‬

‫ومدرستها للأعوام القادمة‪ .‬كما ذكرت كم استمتعت في الد ارسة التي ساعدتها في تطوير ذاتها أولا ومستوى‬

‫طلبتها ثانيا‪ ،‬وكيف أن الد ارسة والتدريب كان لهما دور كبير في جعل التعليم بالنسبة لها تجربة ممتعة وجديدة‬

‫كل يوم‪ ،‬وفي تحبيب الطلبة في التعليم وتشجيعهم على الابداع والابتكار‪ .‬وختمت كلامها بأنها عندما قّررت‬
‫أن تدرس لم يكن هناك أصلا كاد ار وظيفّيا واضحا يبّين كم سيزيد ارتبها أو رتبتها لو درست‪ ،‬ولكنها كانت تعلم‬

    ‫تماما كيف ستستفيد من الد ارسة والتدريب لتحب عملها وتبدع فيه وتكسب طلبتها وتجعلهم جيلاً أفضل‪..‬‬

                                                              ‬‬
 ‫فيا ترى‪ ..‬ما الذي حصل خلال فارق العشرين عام؟؟‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة