حصة تخّرجت من الثانوية عام ،1990تخّرجت من الجامعة حيث درست على حسابها الخاص ،فقد حصلت
على "إعفاء" من رسوم الجامعة ،وكانت تعمل في الإجا ازت الصيفية ،وتعّلم أطفال الحي في أيام الأسبوع
ونهايته لتّدخر من المال ما يكفي لأكلها ولبسها ولملّفاتها الجامعية..
وعندما تخّرجت اشتغلت لمدة ثلاث سنوات في وظائف مختلفة ،من كاشير ،بائعة ،معلمة في روضة ،سكرتيرة،
موظفة استقبال إلى آخره ،اشتغلت واّدخرت المال وصّلت للحصول على وظيفة العمر "معلمة" ..إلى أن جاءتها
فرصة في مدرسة خاصة "معلمة مساعدة" بمكافأة رمزية ،فتركت كل الوظائف الأكثر ثباتا ،واشتغلت بالمدرسة
لتكتسب الخبرة ولتكون أكثر استعدادا لتكون حلمها "معلمة"..
ظّلت تعمل كمساعدة بنظام جزئي ،إلى مساعدة بنظام كّلي ،الى "معلمة" ..ولم تتوقف سعادتها عند تحقيق
حلمها ،بل كانت حينها اّدخرت ما يكفي من المال لتكون "معلمة أفضل" ،فهي تفكر بد ارسة "دبلوم عالي في
التربية" لتطّور من نفسها ،وفعلت ذلك مساءا في إحدى الجامعات الخاصة لمدة عام كامل لتصبح "معلمة
أفضل" فلديها الآن دبلوم عالي" ..والحمدلله هي سعيدة تطّبق كل ما تعلمته في فصولها ،تعلم التلاميذ بالألعاب
وبالمواد والادوات وبأحسن الاست ارتيجيات التي تعلمتها..
لكن ..لا ت ازل تشعر بأن الطلبة لا يحّبون الد ارسة كفاية ..وهي قد اد ّّخرت المال ..وتستطيع د ارسة ماجستير
في التربية ..فلا ت ازل هناك مشاكل لا تعرف كيف تسيطر عليها في الصف ،فهي تريد أن تكون "معلمة ذات
رؤيا" ..وتعود للد ارسة المسائية ،وعامين متتاليين وتحصل على الماجستير ،وتصبح صفوفها نموذجية ،وأيامها
مع طالباتها مليئة بالحيوية والاستمتاع والتعّلم..
ولكنها أحيانا تشعر بأن هناك أمو اًر في الإدارة الصفّية تصعب عليها فتفقد السيطرة على الصف ،وهي الآن
تدّرس في الاعدادية والتعامل مع الم ارهقات أمر لا تتقنه ،وهي لا تريد أن تكون في مكان تشعر فيه بالنقص،
وكأن هناك علوما انسانية تفتقدها ،مع أنها تدفع الكثير من المال لورش العمل والدو ارت التدريبية القصيرة
لتطّور من أدائها ..ولكن بلا جدوى ..فتضطر أن تتّخذ ق ار ار صعبا ..ستسافر لد ارسة الدكتو ارة وستترك عائلتها
لمدة ثلاث أعوا ٍم كاملة ..في الغربة وعلى حسابها الخاص ،ستنفق كل ما في حسابها لتكون "معلمة درجة
اولى" وتعود لتكون ذلك ..تصبح رئيسة قسم تدير صفوفها بكل سلاسة وتعّلم معلمات قسمها كيف يفعلون
ذلك ،وتعّلم طلبتها على الجد والاجتهاد والطموح لتحقيق الذات التي ينعكس نجاحها على نجاح طلبتها..
واستمرت تفعل ذلك بسعادة لمدة 25عاماً.
ولكن المفارقة التربوية ..في من تخّرج من الثانوية بعد 20عام..
منيرة تخّرجت عام ،2010حصلت على منحة للد ارسة بالجامعة من الشركة التي يعمل فيها والدها ،وتخّرجت
من الجامعة ،واستطاعت الحصول مباشرة على وظيفة "معلمة" .اشتغلت كمعلمة لمدة فصل د ارسي واحد
ومباشرة تمكنت من الانتساب في برنامج "دبلوم عالي في التربية" الذي صارت إدارة التعليم تطرحه مجاناً
للمعلمين ال ارغبين في تعديل كادرهم الوظيفي ،وبعد عام كامل حصلت على الدبلوم.
وبعد فص ٍل د ارسي آخر ،قّدمت على منحة لد ارسة الماجستير وحصلت عليها ،حيث أن إدارة التعليم اليوم عكس
عام 1990أصبحت توفر بعض المنح الد ارسية للمعلمين ال ارغبين في إكمال د ارساتهم العليا للتطوير من
ممارساتهم التربوية ،وبعد عام آخر حصلت على درجة الماجستير .وبعد عام د ارسي واحد قضته في حضور
ورش العمل والدو ارت التدريبية المجانية التي صارت الو ازرة تقدمها لمنتسبيها ،استطاعت الحصول على منحة
لد ارسة الدكتو ارة من الشركة التي يعمل فيها والدها ،فسافرت مع والدها وأكملت د ارستها وعادت دكتورة وتقّلدت
منصبا في الوز ارة وتركت التدريس في أقل من خمس سنوات.
ولكن ..أين المفارقة بين حصة ومنيرة؟
حصة ومنيرة اجتمعتا في ورشة تدريبية لتطوير التعليم ،جلستا على نفس الطاولة ،وشاركتا تجربتهما التربوية،
فبدأت منيرة بالشكوى من الخمس سنوات التي قضتها في التدريس ،فاشتكت من كثرة الحصص ومستوى الطلبة
وكثرة الأعمال الورقية وطول ساعات التصحيح والتحضير وطول المناهج وتعب الوظيفة .كما ذكرت كم شقت
في الد ارسة وتعبت وتغّربت للارتقاء في سّلم الوظيفة ،وطالبت بعدم ربط السّلم الوظيفي بالد ارسة والتدريب
والاكتفاء بالترّقي الوظيفي حسب سنوات الخدمة.
بينما شاركت حصة تجربتها التربوية ،فبدأت بالحديث عن السنوات الممتعة التي قضتها في التدريس ،فتكلمت
عن الساعات الجميلة التي تقضيها مع طلبتها وهم يتف ّكرون ويجربون أشياء جديدة ،والمعارض التي شاركت
وطلبتها فيها ،والانجا ارت التي حققتها مدرستها بطلبتها محليا ودوليا ،والأهداف التي وضعتها لنفسها وطلبتها
ومدرستها للأعوام القادمة .كما ذكرت كم استمتعت في الد ارسة التي ساعدتها في تطوير ذاتها أولا ومستوى
طلبتها ثانيا ،وكيف أن الد ارسة والتدريب كان لهما دور كبير في جعل التعليم بالنسبة لها تجربة ممتعة وجديدة
كل يوم ،وفي تحبيب الطلبة في التعليم وتشجيعهم على الابداع والابتكار .وختمت كلامها بأنها عندما قّررت
أن تدرس لم يكن هناك أصلا كاد ار وظيفّيا واضحا يبّين كم سيزيد ارتبها أو رتبتها لو درست ،ولكنها كانت تعلم
تماما كيف ستستفيد من الد ارسة والتدريب لتحب عملها وتبدع فيه وتكسب طلبتها وتجعلهم جيلاً أفضل..
فيا ترى ..ما الذي حصل خلال فارق العشرين عام؟؟