رجوع للمقالات
السبت, 16 يوليو 2005 02:33 ص

مصاَدرة الجلود والسحالي‪ ..‬إلى أين؟‬


‫أعجب أن تمر بعض ‪-‬المخالفات‪ -‬الدينية مرور الك ارم‪ ،‬بينما يتعّقد بعضها و –يحبك‪ -‬عندها الدين‪ ،‬كالحرب التي‬
‫قامت على فيلم المخرج الاست ارلي الأصل ميل جيبسون  "آلام المسيح"  والذي حقق إي اردات انتاجية ضخمة في‬
‫اوساط السينما العالمية‪ ،‬وضجة اعلامية كبيرة في الاوساط الدينية العربية‪ ،‬لنتعادل نحن واس ارئيل على رفض‬
‫عرضه كأول اتفاق معلن‪ ،‬لكننا وبحمدلله لم نكن سواسية على حد أسباب هذا الرفض على الأقل! وها نحن ذا نعود‬
‫لذات السيناريو من جديد وذلك بعد أن منعت و ازرة الاعلام عرض الفيلم الاي ارني "السحلية" لذات المبادئ ‪-‬الدينية‪-‬‬

                                      ‫ليتفوق تدّيننا هذه المرة على التيار الاي ارني المتشّدد الذي لم يمانع عرضه!‬
‫لم يعد غريبا أن يكون الضجيج المثار عند مصادرة بعض الكتب أو ايقاف بعض الافلام بذاته الحافز الاول للق ارءة‬
‫او المشاهدة‪ ،‬فأنا مثلا لست متابعة سينمائية جيدة جدا‪ ،‬كما أن فكرة فيلم آلام المسيح لم تستهويني على الإطلاق‪،‬‬
‫ولكن الضجة الاعلامية والسياسية والدينية التي أحاطت بالفيلم كانت الدافع الاول والاخير على حرصي للحصول‬

  ‫على نسخة منه ومتابعته‪ ،‬مع اني متاكدة بانه لو تم عرضه كالافلام الباقية في دور السينما لما ذهبت لمشاهدته!‬
‫ولنعد ونتذكر الأسباب التي طرحت لمنع عرضه‪ ،‬ولنعد لم ارجعتها‪ ،‬لنعلم كم من التناقض نحيا على صعيد‬
‫المصادرة التي لا نرى مصداقية ما تدافع عنه بقدرما نرى مدى انفصام وعي مجتمعنا بمفاهيم حرية ال أري والتعبير‬
‫‪-‬كتابيا او صوريا‪ -‬ومفاهيم الرقابة والمحاكمة –التي يخبز خبزها النجار بدل الخباز‪ -‬والتي تتمحور "سينمائيا"‬

                                ‫على ساحاتنا الدينية والسياسية لتتحول لتضاداتها من التضييق والتقييد والفرض‪..‬‬
‫‪( -‬قام الفيلم بتجسيد النبي عيسى عليه السلام‪ ،‬وتمثيل الانبياء لا يجوز) ولكن‪ ..‬ألا تقول الرواية الاسلامية بأن‬
‫من صلبه اليهود وقتلوه ليس النبي انما شبيهه‪ ،‬وهذا الفيلم يعرض الاثنا عشر ساعة الاخيرة فقط من حياة المسيح‪،‬‬
‫أفلا يعني ذلك بأن الشخص الذي يقوم الفيلم بتجسيده ليس سوى شبيه النبي! إذن الصورة التي خشى العلماء‬
‫تشّوهها في مخيلتنا لن تتشوه طالما هي لشخص غير الذي ن اره‪ ،‬واذا امتنعنا عن عرض الفيلم لهذا السبب ألا يعني‬
‫ذلك إق اررنا بأن المصلوب هو النبي الذي نرفض تجسيده؟ ونحن نكرر ذات الوقفة مع فيلم السحلية فبالرغم من ان‬
‫القصة لا تعرض سلوك رجل دين‪ ،‬بل تعرض بطلا يشتبه برجل دين‪ ،‬فلماذا نحّرم قبول ما يفعله طالما هو شخص‬

                                                                                  ‫عادي وليس دينيا مقدسا؟!‬
‫‪( -‬يتعرض الفيلم لشكل النبي وصورته بطريقة أو بأخرى‪ ،‬وهذا لا يجوز شرعا) ولكن‪ ..‬ألا يعني ذلك بأننا نهتم‬
‫لأشكال الأنبياء وصورهم وملامحهم أكثر من رسالاتهم! فنحن نقبل أن تتعرض الأفلام لرسائلهم وقيمهم ودعواهم‬
‫بالباطل ونشاهد الامر مستمتعين‪ ،‬أما إذا ج ّسد الفيلم أشكالهم فذلك عين الانتهاك! أفلا تعرض هذه الافلام وغيرها‬
‫ما يطعن الدين الاسلامي من الامام والخلف واليمين والشمال ونحن نتابع مصفقين! ألا تعرض قنوات اليوم ما‬

                                                             ‫‪‬‬
‫يطعن حياء الدين واسمه وشكله لما يقارب الاربع وعشرين ساعة أمام اعيننا المتابعة لهذه الشاشات ليلا ونها ار من‬
‫عري الفيديوكليبات الى منك ارت الفضايات التي يطلق بعد اسم القناة منها كلمة "العربية" ويحمل الكثير من القائمين‬
‫عليها من الاسماء ما ح ّمد منها وعّبد؟ لماذا لا تشن الحروب على مثل هذه العروض وتشن على آلام –شبيه‪-‬‬
‫المسيح؟ فهل يعني ذلك بأن كل شيء حّرمه الدين يجوز عرضه عدا تحريم تجسيد الانبياء؟ لا أدري لماذا نصر‬
‫على التاكيد باننا قوم لا نعرف من المادة الا سطحها وهوامشها اما العمق والمضمون فهو غير مهم! وها نحن ذا‬
‫نكرر ذات الوقفة مع فيلم السحلية فنمنع عرضه لانه انتهك حرمة صورة رجل الدين طالما ألبس العمامة المقّدسة‬

                                                                                                      ‫لصا!‬
‫‪( -‬الممثل قال بلسان النبي عيسى بأنه ابن الله مما يتخالف مع روايات المسلمين)‪ ..‬ولكن الفيلم من اوله الى آخره‬
‫يعرض قصة واحداثا يقول بها المسيحيون وليس المسلمون‪ ،‬ومن الطبيعي أن تدور الأحداث والأقوال على حسب‬
‫قول الرواية المسيحية! حتى أن الشيخ يوسف القرضاوي أجاز عرض الفيلم مع الحرص على أن لا يتابعه من هم‬
‫دون سن الثامنه عشرة حتى لا يقعون في خلط رواية النبي‪ ،‬أما ال ارشد منا فمن المفترض أن يعرف بأن ما ي اره هو‬
‫الاعتقاد المسيحي وليس الاسلامي‪ ،‬اذن ما الصحة في الرفض من هذا المنطلق! ونكرر ذات الوقفة من الفيلم‬
‫الاي ارني‪ ،‬فاذا كنا نعلم من البداية بان البطل المعمم ما هو الا لص يفتقد الاخلاق‪ ،‬فما المشكلة من قبول انتهاكه‬

                                                                                     ‫لحرمة العمامة والثوب!‬
‫جهلي لتفاصيل فيلم السحلية قد يمنعني من عرض تناقضات في التفاصيل الدقيقة‪ ،‬ولكني سأفعل متى ما سنحت‬
‫لي رؤيته لاقتناعي بوجود ما يكفي منها كما عودتنا ثقافتنا السطحية‪ ..‬غير ان فكرة فيلم آلام المسيح لا تزيد على‬
‫كونه دعوة لمعاداة السامية وتأكيدا بان اليهود هم من تسببو في مقتل المسيح‪ ،‬خاصة وان النسب التي تقول بان‬
‫اليهود هم المسؤولون عن صلب المسيح قد لا تزيد على ‪ %25‬او ‪ %30‬مما حدا المخرج لطرح هذا الفيلم لزيادة‬
‫تلك النسبة‪ ،‬وذلك ما جعل اليهود يرفضون عرضه‪ ،‬اما نحن فلا ادري كيف اقحمنا نفسنا في القصة لنضع لنا دو ار‬
‫لمنعه ‪-‬وكم نحّبذ هذه الادوار‪ -‬مع أننا دائما ما ننشد النشيد الاصلاحي الديمق ارطي بمناسبة ومن غيرها! اليست‬

                                                        ‫هذه مجرد حرب مصادرة دون بحث منطقية الاسباب؟!‬
‫كما انه ليس من الضروري ان يكون الهدف من متابعة اي فيلم سينمائي هو التعرف على مادته النصية‪ ،‬فهناك‬
‫امور اخرى لا تقل أهمية تدخل ضمن القضية السينمائية التي تتناول الاداء التمثيلي والجودة التصويرية والتقنيات‬
‫الصوتية والموسيقية والصورة والارضية ومن ثم النقد‪ ،‬فقد يلجأ الكثير من المهتمين بالسينما لمشاهدة الفيلم لمعرفة‬
‫سر الاي اردات الضخمة او لنقد الفيلم ضمن الاطار الفني الى غير ذلك‪ ،‬فطالما يعرض هذا الفيلم في بلدان قريبة‬
‫وبعيدة‪ ،‬ويتداوله الناس بالذم او المديح‪ ،‬فلا يجب ان نظل واقفين معصوبين العقول لنسمع الآ ارء من هنا وهناك‪،‬‬
‫فقد يكون الفيلم حالة سينمائية جيدة فيرغب الكثيرون لمعرفة او د ارسة هذا الحالة العالمية‪ ،‬فلماذا نصر نحن على‬
‫ان نخفي رؤوسنا في الت ارب عن كل ما هو عالمي؟ فحتى الذين اوصلونا لق ار ارت الوقف في النهاية شاهدوها‬

                              ‫لضرو ارت دينية! فلماذا يمنعون الآخرين من مشاهدتها لضرو ارت في نفس يعقوب!‬

                                                            ‬‬
‫ختاما –هاردلك‪ -‬لكل من لم ير فيلم السحلية‪ ،‬اما من لم ير فيلم آلام المسيح فأنا أدعوه لعدم التح ّسر لعدم رؤيته‪،‬‬
‫فالفيلم لم يكن ذا نص سينمائي قوي ولم يحمل من الفنون السينمائية الكثير‪ ،‬أما من عنده ميل لرؤية الرفس والجلد‬
‫ودق المسامير فيمكنه الحصول على حالة سينمائية جيدة لو أنه أطفأ مصابيح صالة منزله‪ ،‬وشّغل التلفاز على أحد‬
‫القنوات الاخبارية ورفع صوتها‪ ،‬فهناك سيجد من اشلاء جثث الرجال من امعائها ومخوخها وسيقانها المتناثرة ما‬

                                                      ‫سيؤثر فيه أكثر من قطع جلد متطايره لجسد رجل واحد!!‬

بقلم: د. معصومة المطاوعة