أعجب أن تمر بعض -المخالفات -الدينية مرور الك ارم ،بينما يتعّقد بعضها و –يحبك -عندها الدين ،كالحرب التي
قامت على فيلم المخرج الاست ارلي الأصل ميل جيبسون "آلام المسيح" والذي حقق إي اردات انتاجية ضخمة في
اوساط السينما العالمية ،وضجة اعلامية كبيرة في الاوساط الدينية العربية ،لنتعادل نحن واس ارئيل على رفض
عرضه كأول اتفاق معلن ،لكننا وبحمدلله لم نكن سواسية على حد أسباب هذا الرفض على الأقل! وها نحن ذا نعود
لذات السيناريو من جديد وذلك بعد أن منعت و ازرة الاعلام عرض الفيلم الاي ارني "السحلية" لذات المبادئ -الدينية-
ليتفوق تدّيننا هذه المرة على التيار الاي ارني المتشّدد الذي لم يمانع عرضه!
لم يعد غريبا أن يكون الضجيج المثار عند مصادرة بعض الكتب أو ايقاف بعض الافلام بذاته الحافز الاول للق ارءة
او المشاهدة ،فأنا مثلا لست متابعة سينمائية جيدة جدا ،كما أن فكرة فيلم آلام المسيح لم تستهويني على الإطلاق،
ولكن الضجة الاعلامية والسياسية والدينية التي أحاطت بالفيلم كانت الدافع الاول والاخير على حرصي للحصول
على نسخة منه ومتابعته ،مع اني متاكدة بانه لو تم عرضه كالافلام الباقية في دور السينما لما ذهبت لمشاهدته!
ولنعد ونتذكر الأسباب التي طرحت لمنع عرضه ،ولنعد لم ارجعتها ،لنعلم كم من التناقض نحيا على صعيد
المصادرة التي لا نرى مصداقية ما تدافع عنه بقدرما نرى مدى انفصام وعي مجتمعنا بمفاهيم حرية ال أري والتعبير
-كتابيا او صوريا -ومفاهيم الرقابة والمحاكمة –التي يخبز خبزها النجار بدل الخباز -والتي تتمحور "سينمائيا"
على ساحاتنا الدينية والسياسية لتتحول لتضاداتها من التضييق والتقييد والفرض..
( -قام الفيلم بتجسيد النبي عيسى عليه السلام ،وتمثيل الانبياء لا يجوز) ولكن ..ألا تقول الرواية الاسلامية بأن
من صلبه اليهود وقتلوه ليس النبي انما شبيهه ،وهذا الفيلم يعرض الاثنا عشر ساعة الاخيرة فقط من حياة المسيح،
أفلا يعني ذلك بأن الشخص الذي يقوم الفيلم بتجسيده ليس سوى شبيه النبي! إذن الصورة التي خشى العلماء
تشّوهها في مخيلتنا لن تتشوه طالما هي لشخص غير الذي ن اره ،واذا امتنعنا عن عرض الفيلم لهذا السبب ألا يعني
ذلك إق اررنا بأن المصلوب هو النبي الذي نرفض تجسيده؟ ونحن نكرر ذات الوقفة مع فيلم السحلية فبالرغم من ان
القصة لا تعرض سلوك رجل دين ،بل تعرض بطلا يشتبه برجل دين ،فلماذا نحّرم قبول ما يفعله طالما هو شخص
عادي وليس دينيا مقدسا؟!
( -يتعرض الفيلم لشكل النبي وصورته بطريقة أو بأخرى ،وهذا لا يجوز شرعا) ولكن ..ألا يعني ذلك بأننا نهتم
لأشكال الأنبياء وصورهم وملامحهم أكثر من رسالاتهم! فنحن نقبل أن تتعرض الأفلام لرسائلهم وقيمهم ودعواهم
بالباطل ونشاهد الامر مستمتعين ،أما إذا ج ّسد الفيلم أشكالهم فذلك عين الانتهاك! أفلا تعرض هذه الافلام وغيرها
ما يطعن الدين الاسلامي من الامام والخلف واليمين والشمال ونحن نتابع مصفقين! ألا تعرض قنوات اليوم ما
يطعن حياء الدين واسمه وشكله لما يقارب الاربع وعشرين ساعة أمام اعيننا المتابعة لهذه الشاشات ليلا ونها ار من
عري الفيديوكليبات الى منك ارت الفضايات التي يطلق بعد اسم القناة منها كلمة "العربية" ويحمل الكثير من القائمين
عليها من الاسماء ما ح ّمد منها وعّبد؟ لماذا لا تشن الحروب على مثل هذه العروض وتشن على آلام –شبيه-
المسيح؟ فهل يعني ذلك بأن كل شيء حّرمه الدين يجوز عرضه عدا تحريم تجسيد الانبياء؟ لا أدري لماذا نصر
على التاكيد باننا قوم لا نعرف من المادة الا سطحها وهوامشها اما العمق والمضمون فهو غير مهم! وها نحن ذا
نكرر ذات الوقفة مع فيلم السحلية فنمنع عرضه لانه انتهك حرمة صورة رجل الدين طالما ألبس العمامة المقّدسة
لصا!
( -الممثل قال بلسان النبي عيسى بأنه ابن الله مما يتخالف مع روايات المسلمين) ..ولكن الفيلم من اوله الى آخره
يعرض قصة واحداثا يقول بها المسيحيون وليس المسلمون ،ومن الطبيعي أن تدور الأحداث والأقوال على حسب
قول الرواية المسيحية! حتى أن الشيخ يوسف القرضاوي أجاز عرض الفيلم مع الحرص على أن لا يتابعه من هم
دون سن الثامنه عشرة حتى لا يقعون في خلط رواية النبي ،أما ال ارشد منا فمن المفترض أن يعرف بأن ما ي اره هو
الاعتقاد المسيحي وليس الاسلامي ،اذن ما الصحة في الرفض من هذا المنطلق! ونكرر ذات الوقفة من الفيلم
الاي ارني ،فاذا كنا نعلم من البداية بان البطل المعمم ما هو الا لص يفتقد الاخلاق ،فما المشكلة من قبول انتهاكه
لحرمة العمامة والثوب!
جهلي لتفاصيل فيلم السحلية قد يمنعني من عرض تناقضات في التفاصيل الدقيقة ،ولكني سأفعل متى ما سنحت
لي رؤيته لاقتناعي بوجود ما يكفي منها كما عودتنا ثقافتنا السطحية ..غير ان فكرة فيلم آلام المسيح لا تزيد على
كونه دعوة لمعاداة السامية وتأكيدا بان اليهود هم من تسببو في مقتل المسيح ،خاصة وان النسب التي تقول بان
اليهود هم المسؤولون عن صلب المسيح قد لا تزيد على %25او %30مما حدا المخرج لطرح هذا الفيلم لزيادة
تلك النسبة ،وذلك ما جعل اليهود يرفضون عرضه ،اما نحن فلا ادري كيف اقحمنا نفسنا في القصة لنضع لنا دو ار
لمنعه -وكم نحّبذ هذه الادوار -مع أننا دائما ما ننشد النشيد الاصلاحي الديمق ارطي بمناسبة ومن غيرها! اليست
هذه مجرد حرب مصادرة دون بحث منطقية الاسباب؟!
كما انه ليس من الضروري ان يكون الهدف من متابعة اي فيلم سينمائي هو التعرف على مادته النصية ،فهناك
امور اخرى لا تقل أهمية تدخل ضمن القضية السينمائية التي تتناول الاداء التمثيلي والجودة التصويرية والتقنيات
الصوتية والموسيقية والصورة والارضية ومن ثم النقد ،فقد يلجأ الكثير من المهتمين بالسينما لمشاهدة الفيلم لمعرفة
سر الاي اردات الضخمة او لنقد الفيلم ضمن الاطار الفني الى غير ذلك ،فطالما يعرض هذا الفيلم في بلدان قريبة
وبعيدة ،ويتداوله الناس بالذم او المديح ،فلا يجب ان نظل واقفين معصوبين العقول لنسمع الآ ارء من هنا وهناك،
فقد يكون الفيلم حالة سينمائية جيدة فيرغب الكثيرون لمعرفة او د ارسة هذا الحالة العالمية ،فلماذا نصر نحن على
ان نخفي رؤوسنا في الت ارب عن كل ما هو عالمي؟ فحتى الذين اوصلونا لق ار ارت الوقف في النهاية شاهدوها
لضرو ارت دينية! فلماذا يمنعون الآخرين من مشاهدتها لضرو ارت في نفس يعقوب!
ختاما –هاردلك -لكل من لم ير فيلم السحلية ،اما من لم ير فيلم آلام المسيح فأنا أدعوه لعدم التح ّسر لعدم رؤيته،
فالفيلم لم يكن ذا نص سينمائي قوي ولم يحمل من الفنون السينمائية الكثير ،أما من عنده ميل لرؤية الرفس والجلد
ودق المسامير فيمكنه الحصول على حالة سينمائية جيدة لو أنه أطفأ مصابيح صالة منزله ،وشّغل التلفاز على أحد
القنوات الاخبارية ورفع صوتها ،فهناك سيجد من اشلاء جثث الرجال من امعائها ومخوخها وسيقانها المتناثرة ما
سيؤثر فيه أكثر من قطع جلد متطايره لجسد رجل واحد!!