رجوع للمقالات
الأحد, 29 أكتوبر 2017 01:39 ص

مريم وفاطمة والـ1 !..%

 ‫اليوم أريد أن أضع أمامكم مفارقة تربوية‪..‬‬
مفارقة بسيطة‪ ..‬قيمتها في دفتر علامات المعلم ‪..%1‬‬
‫مريم وفاطمة‪ ..‬طالبتان مجتهدتان ومتشابهتان لأبعد الحدود‪ ..‬امتياز في كل المواد‪ ..‬الأعلى في تخصصهما‬
‫في معدل الجامعة‪ ..‬الفرق بينهما جدا بسيط‪ ..‬مريم خجولة وهادئة ومتنازلة‪ ..‬بينما فاطمة جريئة وقيادية‬ ‫وواثقة‪..‬‬
‫فعندما ينقِص الدكتور من درجات مريم بعض الكسور‪ ،‬فإن مريم تسكت وتبكي في الخفاء وتجتهد أكثر في‬
‫المرة القادمة وإن كان اجتهادها ليس بالقليل‪ ..‬بينما عندما ينقص الدكتور من درجات فاطمة‪ ،‬فالموضوع لن‬
‫يمر مرور الك ارم‪ ،‬لأن فاطمة لن تسكت‪ ،‬بل ستقاتل لتلك الكسور القليلة وتحاول كسبها مهما كان الثمن‪ ،‬حتى‬

 ‫لو اضطرت للتظلم عند رئيس القسم أو العميد لكسب ربع درجة‪..‬‬
"الزبدة" مريم هي المتفوقة المحبوبة‪ ،‬بينما فاطمة هي المتفوقة المزعجة‪..‬‬
‫وتبدأ المفارقة عند تحديد من هو الأول على الدفعة‪ ..‬مريم أم فاطمة‪..‬؟‬
‫وتكمن الصعوبة في أن مرك از واحدا فقط متوفر للحصول على وظيفة معيد بالجامعة‪ ،‬والتي يحلم بها الطلبة‬
‫المتفوقين ال ارغبين بالتدريس بالجامعة‪ ،‬ومن ثم الابتعاث لإكمال الماجستير والدكتو ارة على حساب الجامعة ومن‬

                                                                  ‫ثم التدريس فيها‪" ..‬جميل" هذا الحلم‪..‬‬
‫على الرغم من الإغ ارء المت ارفق مع هذه الفرصة‪ ،‬ألا أن اختيار هذا الشخص سهل جدا‪ ..‬فصاحب المعدل‬

   ‫الأعلى هو من يكسب الرهان‪ ،‬ومن يكون في قصتنا؟ إنها مريم‪ ..‬فمعدل مريم يفوق معدل فاطمة بـ‪..%1‬‬
‫تكسب مريم البعثة وتبدأ المشوار وتنتهي بأن تصبح دكتورة بالجامعة‪ ،‬حالها حال الكثيرين الذين ما إن يصلوا‬
‫إلا هذا الحد‪ ،‬إلا وتهزم حياتهم الاجتماعية حياتهم العلمية‪ ،‬وينتهي بهم المطاف كما مع مريم‪ ،‬بزوج وأطفال‬
‫ووظيفة‪ ،‬وتختفي مريم بين الطلبة والأساتذة‪ ،‬وينسى الجميع بأنها في يوم من الأيام كانت الأولى على دفعتها‪..‬‬

                                                                                    ‫ولكن أين فاطمة؟!‬
‫فاطمة لم تتمكن من تحقيق حلمها بأن تكون معيدة بالجامعة ليسهل عليها د ارسة الماجستير والدكتو ارة والتدريس‬

                              ‫بالجامعة‪ ،‬ومع أوضاعها الأسرية الصعبة يكاد يكون حلم الد ارسة مستحيلا‪..‬‬

                                                             
‫ولكنها كما تعرفونها ليست من النوع الذي يستسلم‪ ..‬تضطر للعمل بدل الد ارسة لتتمكن من ادخار مبلغ د ارسة‬
‫الماجستير‪ ،‬سنة متواصلة من العمل ب ارتب معقول بشهادتها ضمن لها مبلغ د ارسة الماجستير‪ ،‬فتترك العمل‬
‫وتعود لك ارسي الجامعة نفسها وتنهي درجة الماجستير‪ ..‬تتقدم بطلب للتدريس في الجامعه‪ ،‬لكن بلا جدوى‪،‬‬
‫ففرص حملة الماجستير ضئيلة جدا بالجامعة‪ ،‬فتعود للبحث عن وظيفة أخرى وتجدها‪ ،‬ويبدأ المشوار من‬

                                                                   ‫جديد‪ ..‬ولكن هذه المرة لفترة أطول‪..‬‬
‫تضطر فاطمة للعمل ثلاث سنوات لتتمكن من توفير مبلغ د ارسة الدكتو ارة‪ ،‬ترفض كل من يتقدم لخطبتها خوفاً‬
‫من أن تخسر ادخارها مع فوضى الحياة الزوجية‪ ،‬وخوفا من انجاب الاطفال الذين سيطالبون بوقت د ارستها‪،‬‬
‫وتنغمس بالعمل حتى تنتهي من ادخار مبلغ د ارستها‪ ،‬وتترك العمل مرة أخرى وتعود لمقاعد الد ارسة في الجامعة‬

            ‫نفسها‪ ،‬وتنهي درجة الدكتو ارة‪ ،‬وبفضل الله وكفاحها تحصل على وظيفة أستاذ مساعد بالجامعه‪..‬‬
‫ويتحقق الحلم‪ ..‬فاطمة دكتورة بالجامعة‪ ،‬ولكن ليست أي دكتورة‪ ،‬فهي رئيسة للعديد من اللجان‪ ،‬ومنسقة للعديد‬
‫من الب ارمج‪ ،‬وقائدة للكثير من المجموعات البحثية‪ ،‬جميع الطلبة والأساتذة يعرفون فاطمة أو يتكلمون عن‬

                                          ‫إنجا ازتها‪ ،‬فهي دائما على صفحات مواقع الجامعة الالكترونية‪..‬‬
‫ولنعد للمفارقة‪ ،‬للـ‪ %1‬التي تفوقت فيها مريم على فاطمة‪ ،‬فواقع الحال يقول بأن فاطمة متفوقة على مريم‬

                                              ‫عش ارت الم ارت‪ ،‬فهل ت ارها تلك الـ‪ %1‬كانت نسبة حقيقية؟؟‬
‫لا للأسف لم تكن كذلك‪ ،‬وقد دفعت فاطمة ثمن ذلك شقاء وكفاحا وتضحية‪ ،‬حتى تعوض تلك الـنسبة الصغيرة‪،‬‬
‫فالـ‪ %1‬تلك‪ ،‬كانت نتيجة تنا لزات كثيرة قدمها الكثير من الأساتذة لمريم لأنها كانت هادئة ومسيرة‪ ،‬وحرموا‬
‫فاطمة منها لأنها كانت جريئة وقائدة‪ ..‬الـ‪ %1‬تلك‪ ،‬كانت بعض تبرعات الأساتذة لمريم حبا وتقدي ار لسكوتها‬
‫عن سوء تصحيحهم او تدريسهم وقبولها بما كانوا يقولون بأنه تقديرها‪ ،‬بينما حرموا فاطمة من ذات الـ‪ %1‬لأنها‬
‫كانت تعرف حقوقها وكانت شخصيتها ترفض الانصياع دون السؤال وترفض قبول درجة دون قناعة‪ ،‬فلقد‬
‫دفعت فاطمة ثمنا كبي ار ومؤلما فقط لأنها كانت مختلفة‪ ،‬لأنها لم تكن الطالبة المتفوقة الهادئة التي يحلم بها‬
‫كل معلم‪ ..‬مع أنها الطالبة المتفوقة القائدة التي يحلم بها كل وطن‪ ..‬الطالبة التي ممكن أن تغير بلادنا للأفضل‬

                                                                               ‫حتى لو كانت مزعجة‪..‬‬
              ‫وتستمر فاطمة بالعطاء كل يوم‪ ..‬بينما مريم تقرر التفرغ لحياتها الاجتماعية بالتقاعد المبكر‪..‬‬
 

بقلم: د. معصومة المطاوعة